اتفاقيات الامتياز في قطاع التعدين

 

مسلم سعيد مسلم مسن

قبل أسابيع قليلة، وقعت وزارة الطاقة والمعادن مع شركة تنمية معادن عُمان  التابعة لجهاز الاستثمار العماني 12 اتفاقية امتياز من التنقيب إلى التعدين في قطاع التعدين، تصل المساحة الإجمالية لمناطق الامتياز التي تُغطيها الاتفاقيات إلى 21480 كيلومترا، بواقع ثمان اتفاقيات للمعادن الفلزية الثمينة و4 اتفاقيات للمعادن اللافلزية.

هذه الاتفاقيات تمثل خطوة مهمة في مسيرة التنويع الاقتصادي وتطوير القطاع الذي مرَّ بمراحل ومنعطفات عديدة، وتتماشى كذلك مع واقع الدراسات والإستراتيجيات الحكومية الموضوعة لهذا القطاع حتى وإن طال أمر تنفيذها وتوالت الإدارات المشرفة على القطاع، إلى أن استقرت الهيكلة الحكومية على نقل تبعية هذا القطاع المهم لوزارة الطاقة والمعادن تنظيمياً ويكون الذراع الحكومي الاستثماري له شركة تنمية معادن عمان التابعة لجهاز الاستثمار العماني . الطرح في هذا المقال لن يتشعب كثيرا فجميعنا يدرك حصيلة هذا القطاع المتواضعة من منظور المالية العامة (إيرادات القطاع)، وكذلك ضعف المساهمة اقتصاديًا مقارنة بما هو مأمول من هذه الثروة الاستراتيجية.

لا شك أنَّ جميع الجهود تحاول أن تغير من هذا الواقع، وبالتالي فإنَّ الطرح سينحصر حول  اتفاقيات الامتياز والفوائد المرجوة منها ودور شركة تنمية معادن عمان كمشغل إستراتيجي، نُقارب دوره المنتظر بدور شركة تنمية نفط عمان في قطاع النفط، وما أحدثته من تغيير إيجابي في معدلات إنتاجية وسلاسل قيم القطاع من ناحية وفوائد ملموسة للمحتوى المحلي على التنمية والمجتمع معاً من ناحية مرادفة، فإن كانت هذه مُقاربتنا بحق فلابُد أن نأخذ بالأسباب للتنفيذ الناجح والأمين ونتحوط للتحديات الموجودة في قطاع التعدين ولم تكن موجودة أصلاً في قطاع النفط وذلك حتى نضبط هذه المقاربة وتصدق نتائجها وتؤتى ثمارها.

وعليه، نلخص بعض الملاحظات هنا حول اتفاقيات الامتياز التعدينية ودور شركة تنمية معادن عمان في التطوير- بموجب اتفاقيات الامتياز الحالية والمستقبلية- وذلك على النحو التالي:

  1. كما هو معلوم فإن منح حق الامتياز لمستثمرين في المناطق التعدينية يعني تطبيق نفس أسس الحماية القانونية المطبقة في قطاع النفط والغاز وما يترتب على ذلك من الحق في إجراء عمليات الاستكشاف والتنقيب في مناطق شاسعة ولمدد زمنية طويلة وتحمل كافة المصروفات الاستثمارية في هذه المرحلة، فإن تحققت الكميات التجارية، تتم عمليات تقاسم العوائد بين المستثمر والحكومة، وإن لم تتحقق تلك الكميات فإن المستثمر له خيار الانسحاب وأأو الوصول من خلال التفاوض إلى التمديد. هذه الآلية- بطبيعة الحال- مُطبّقة على قطاعي النفط والغاز ومن المفترض أن تسري على المستثمرين من خلال اتفاقيات الامتياز التعدينية. وعمليات إسناد عينة من مناطق الامتياز- بالأخص المعادن الاقتصادية الثمينة- لشركة تنمية معادن عُمان وفق هذا النمط من الاتفاقيات له مكاسب عديدة؛ من أهمها: إحاطة هذه الثروة الوطنية بإطار قانوني مشجع للاستثمار؛ كون الذراع الحكومي الاستثماري لقطاع التعدين حاضر بقوة في الاستثمارات الكلية مع تشكيلة لأرضية جاذبة للشراكات العالمية ذات الخبرة الواسعة. وهنا نشير إلى أهمية الاستفادة من رصيد الدراسات وعمليات البحث والتنقيب والمسوحات الجيولوجية السابقة التي قامت بها بيوت الخبرة والأذرع الاستشارية المحلية والعالمية والبدء من حيث انتهت وإجراء التحديثات المناسبة لها . كذلك فإنَّ هذه العينة من الاتفاقيات المسندة لشركة تنمية معادن عمان تعتبر خطوة نحو تنظيم القطاع عبر شركات وكيانات كبيرة تقود القطاع بمهنية وحرفية عالية وتصبح النموذج الذي يُمكن البناء عليه وتطويره لمواجهة واقع هيمنة الكيانات المتوسطة والصغيرة على القطاع وقلة إمكانياتها وصغر مواقعها التعدينية وقصر مدة التراخيص وتواضع مخصصات الاستثمار والبحوث والتطوير.
  2.  هذا النوع من الاتفاقيات يحتاج إلى ضمانات لتحقيق مستوى فاعلية عال، وهنا نقصد  توفير الخدمات الأساسية والمساندة لعمليات الاستثمار وبدء التنقيب وتوسيع رقعته خصوصًا وأنَّ إسناد مناطق امتياز بمساحات كبيرة ولمدد زمنية طويلة تقابلها متطلبات مثل مصادر الطاقة لتشغيل المشروعات وبعض البنى الأساسية الضرورية (شق شوارع وخدمات بيئية وهندسية)، فبدون الاستثمار في سلاسل القيمة الحالية والمستقبلية للمواقع التعدينية المشمولة بهذه الاتفاقيات لن تعطي تلك الاتفاقيات النتائج السريعة والمرجوة من حيث رفع مساهمة القطاع وتعزيز إيراداته.
  3. هذه الاتفاقيات لابُد وأن تفضي إلى شراكات تُعزز من سلاسل قيمة قطاع التعدين على مستوى مشروعات الشق السفلي لأنها تعتبر المتغير ذا التأثير الأعمق في رفع مساهمة القطاع وتوسيع مكاسبه الاقتصادية؛ مثل: توليد فرص عمل مباشرة، وعلاقات تشابكية مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة داخل الاقتصاد الوطني. ولا بأس هنا من دور ريادي لشركة تنمية معادن عمان في تعميق الشراكة مع المستثمرين والمطورين في مجال الشق السفلي من خلال إنشاء مصانع متخصصة، والتوسع في عمليات تكرير المعادن وتأسيس الورش وإنشاء أذرع تسويقية وتكامل مشاريع اللوجستيات والنقل والتصدير. وبلا شك مخرجات المستوى الوسطي والسفلي لقطاع التعدين من خلال مشروعاته واستثماراته هو المعول عليه في تحقيق الفارق فهي تجري داخل مفاصل الاقتصاد الوطني وتتكامل مع قطاعات اقتصادية عديدة وينتج عنها سلاسل قيمة، فقد جربنا تصدير الخام وبكميات كبيرة ولا زالت مُساهمة القطاع متواضعة سواء على مستوى الناتج الإجمالي أو المالية العامة، فالأرقام الفعلية لعام 2019 (قبل جائحة كوفيد-19) تشير إلى أنها لا تتجاوز نصف بالمائة من الناتج الإجمالي ولا يزيد ريع التعدين عن 13 مليون ريال عماني. هذا المشهد لابُد وأن يتغير لصالح التصنيع وكما أسلفنا بأنَّ لشركة تنمية معادن عمان مجال واسع ومنتظر لأن تبادر وتؤسس لشراكات صلبة ومتينة في هذا الشأن فالقطاع يحتاج إلى زخم استثماري في الشق الوسطي والسفلي لتعزيز سلاسل القيمة.
  4. استطاع قطاع النفط والغاز أن يبني شراكة فاعلة مع المجتمعات المحلية إلى حد ما، فشركة تنمية نفط عمان لها مبادرات كبيرة في هذا المجال وشركات الغاز المسال تدير برامج مسؤولية اجتماعية معتبرة في العديد من مناطق عملياتها، وشركة أوكيو بدأت تأخذ مبادراتها زخمًا إيجابيًا بعد عمليات الدمج والهيكلة.

وفي المقابل، تجربة قطاع التعدين الماضية لم تكن موفقة نظرا لعوامل عديدة تتعلق بالتنظيم والتراخيص وعدم فاعلية الرقابة وغياب الأرضية المشتركة بين المجتمعات المحلية ومشاريع التعدين بأنواعها، الأمر الذي أدَّى إلى وجود فجوة بين المستثمرين والمجتمعات المحلية المجاورة.

وعليه، فإن بدء تنفيذ اتفاقيات امتياز القطاع التعديني لابد وأن يتزامن معه بناء شراكة حقيقية مع المجتمع المجاور لهذه المشاريع وهذا قد يتم من خلال تبني الحوار والتشاور والتواصل مع المجتمع وتكثيف برامج التوعية حول مستقبل قطاع التعدين وتصميم برامج مسؤولية اجتماعية توازي ما هو مطبق في قطاع النفط والغاز والتعامل مع المجتمع المجاور كشريك حقيقي تطاله ثمار هذه المشاريع بصفة رئيسية عبر أولوية التوظيف والتدريب وبرامج ريادة الأعمال وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهذه الحزم من السياسات والبرامج إذا ما طبقت ستمحو تدريجيًا الصورة الذهنية السابقة عن القطاع ويبدأ الجميع مسيرة ملؤها العطاء والتعاون لتحقيق ما فيه صالح المجتمع والقطاع معًا.