تعزيز "اقتصاد المحافظات" وتقوية التنافسية

 

مسلم بن سعيد مسلم مسن

يبدأ هذا المقال من مسابقة المحافظات "لأفضل مقترح لمشروع تنموي"، والذي أعلنت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني نتائجه بداية يونيو الماضي، وذلك بعدما تمت المفاضلة بين أكثر من 11 مشروعًا من جميع محافظات سلطنة عُمان، والخلاصة اختيار ثلاثة مشاريع على النحو المعلن في حينها: فوز مشروع "بوليفارد الرذاذ" بمحافظة ظفار، ومشروع تطوير "خليج آيمس" بمحافظة مسندم، ومشروع "رمال بارك" بمحافظة جنوب الباطنة بمسابقة أفضل مقترح لمشروع إنمائي يمكن تنفيذه في إحدى ولاياتها.

لا شك أن هذه المبادرة جيدة وتهدف إلى تشجيع المحافظات على إيجاد مشروعات تنموية تتوافق مع مخرجات الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية- القالب المكاني والموجه العمراني لـ"رؤية عُمان 2040" ضمن الأولوية الوطنية "تنمية المحافظات والمدن المستدام"، وهي خطوة ضمن خطوات عديدة لابد من إنجازها نحو تعزيز قاعدة "اقتصاد المحافظات" وتقوية عوامل التنافسية بينها، نذكر منها ما يلي:

مؤشر " تنافسية المحافظات": لا بُد من إنجاز هذ المؤشر بأسرع وقت مُمكن بما يحتويه من عناصر مهمة لقياس أداء المحافظات وتوجيه بوصلة التخطيط التنموي المحلي (الإقليمي) وتخصيص ميزانياته الإنمائية والرأسمالية. هذا المؤشر يعتبر نقطة انطلاق وجيهة نحو تعزيز قاعدة اقتصاد المحافظات وتقوية عوامل تنافسيته والعمل على تكاملها مع مستهدفات الاقتصاد الوطني الكلية، فهو – أي المؤشر – أداة هامة وممكنة في هذا الجانب يمكن البناء من خلالها. هناك أدبيات وتجارب دولية عديدة تناولت هذا الجانب ويمكن لجهات الاختصاص الاستفادة منها ومواءمتها مع محددات رؤية عمان 2040 لتحقيق المخرجات الواقعية من هذا المؤشر والأهداف التنموية المرسومة.

برامج تحفيز النمو أولى من المكاسب الضريبية الآنية: لتوسيع قاعدة "اقتصاد المحافظات" علينا أن نعي هذه القاعدة الذهبية عند وضع الخطط السنوية للمحافظات، الأولى في هذه المرحلة التركيز على برامج تحفيز النمو الاقتصادي داخل المحافظات وعدم الاستعجال في توسيع الوعاء الضريبي؛ سواءً من خلال فرض ضرائب جديدة أو رفع المعدلات الحالية، لأنه من المفترض تعامل المخططين المحليين مع اقتصادات تتشكَّل وتنمو وتستمد قوتها وتغذيتها من الميزة النسبية والتنافسية- النموذج المُعلن لاقتصاد المحافظات- مثل: السياحة، واللوجستيات والتخزين، والطاقة المتجددة، والقطاع الزراعي والسمكي.... إلخ. ويمكن تصنيف برامج تحفيز النمو وتعظيم الزخم الاقتصادي إلى نوعين: الأول يعتمد على المالية العامة (Public Finance) بشقيها المركزي (الميزانية الإنمائية) والمحلي (الخطط السنوية للمحافظات وميزانياتها المستقلة على المديين المتوسط والبعيد). ونموذج برامج النمو على المستوى المركزي يتمثل في دور المشاريع الإستراتيجية الداعمة بشكل مباشر لاقتصاد المحافظات وتوسعاتها المستقبلية والربط بين مختلف مكوناتها، ويُتنظر من هذه المشاريع تحقيق نتائج على مستوى الاقتصاد الوطني من جهة في رفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي وتحفيز القطاعات ذات الميزة النسبية للمحافظات من جهة أخرى.

النوع الثاني من برامج التحفيز، يتمثل في الخطط والميزانيات المحلية المعتمدة داخل المحافظة الواحدة والتي يمكن أن تدعم النمو إذا ما تم تخصيصها بشكل جيد لخدمة الغرض الإنمائي والرأسمالي للقطاع ذي الميزة النسبية العالية لتلك المحافظة وعدم تشتيت مخصصاتها وتوزيعها بشكل مُبعثر لا يضمن تحقيق وجهة معينة لاقتصاد المحافظة.

ولا بُد للمخططين على المستوى المحلي (مجالس بلدية، مكتب محافظ، بلدية، أذرع الوزارات، القطاع الخاص، المجتمع المدني) أن يدركوا أهمية التخصيص الأمثل لتوفير عوامل الجذب وقابلية تعزيز النمو للقطاع المستهدف الذي يمكن أن يدر على المحافظة مكاسب اقتصادية واعدة وتوجيه الموارد وحشدها لهذا الغرض حتى يتحقق زخم النمو المطلوب الذي بلا شك سيُسهم في توسيع قاعدة اقتصاد المحافظة الواحدة ويقوي عوامل تنافسيتها.

ونتائج التطبيق المعتمد على التخصيص الجيد لبرامج ومشروعات تحفيز النمو سيكون تلقائيا محققا لتوسيع مكاسب الوعاء الضريبي كميا وبالتالي تحسن الموارد الذاتية، ولابد أن ينسجم ذلك مع تنافسية البيئة الاستثمارية (مرونة الإجراءات والتراخيص، تنافسية الرسوم والضرائب، جودة البنية الأساسية والمرافق، توافر المهارات والموارد البشرية المؤهلة والأنظمة المبتكرة)، وهدف المحافظة على زخم النمو واستدامته.

أعضاء المجالس البلدية وأذرع التخطيط والتنفيذ.. إنَّ كفاءة المجالس البلدية وأجهزة التخطيط والتنفيذ (البلديات وفروع الوزارات) عامل حاسم ومُهم في توسيع قاعدة "اقتصاد المحافظات" وتمكين عوامل تنافسيته. والعديد من الأدبيات والتجارب البلدية تؤكد على أن المرونة وحل المشكلات التشريعية والمؤسسية والابتكار الإداري بالنسبة للبلديات في أوروبا مثلا هي خيارات مُهمة لحدود الإصلاح الإطاري بالنسبة للبلديات المحلية ( MR Martin, 1995).

إضافة إلى مسألة أداء الميزانيات المحلية للبلديات وارتباطها بالأنظمة وبناء القدرات المشرفة على إعداد وتعديل تلك الميزانيات من الناحية التشريعية والإدارية والتنفيذ. كل تلك الأدبيات وغيرها تؤكد أهمية العنصر البشري في بناء إطار الأداء والتخطيط والتنفيذ سواء من ناحية الممثلين للمجتمع (قدرات أعضاء المجالس البلدية) أو الأذرع التطويرية والتنفيذية (كفاءة البلديات وفروع الوزارات والهيئات).

إنَّ تعزيز قاعدة "اقتصاد المحافظات" وتعظيم عوامل تنافسيته غاية تشترك لتحقيقها العناوين السابقة بما تتضمنه من سياسات وبرامج وخطوات مهمة، ونتيجة طبيعية إذا ما تعاضدت الجهود الوطنية من أجلها، لأنها تخدم أغراض التنويع والاستدامة على المستوى الكُلي في نهاية المطاف.

********

المراجع:

  • Martins, M. R. (1995). Size of Municipalities, Efficiency, and Citizen Participation: A Cross-European Perspective. Environment and Planning C: Government and Policy, 13(4), 441–458.
  • William C. Rivenbark & Janet M. Kelly (2006) Performance Budgeting in Municipal Government, Public Performance & Management Review, 30:1, 35-46.