الاستثمار الاجتماعي.. أحد روافد تنمية المحافظات

 

مسلم سعيد مسلم مسن **

سبق وأن شاركت بورقة حول الاستثمار المسؤول مجتمعيًا (الأطر- الحوكمة- التحديات- المقترحات) في المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية 2023 الذي نظمته جريدة الرؤية مع الأطراف الفاعلة في هذا المجال.

تناولت تلك الورقة جزئية من تحديات الاستثمار المسؤول مجتمعيا في تطوير اقتصاد المحافظات وتطرقت لبعض الحلول المتعلقة بالحوكمة والتنمية في هذا الجانب. ومن خلال هذا المقال، نفرد مساحة أكبر لتسليط الضوء على أهمية الاستثمار الاجتماعي كأحد الروافد المعوَّل عليها في تعزيز تنمية المحافظات خلال المرحلة القادمة، بالذات ما يتعلق بالتمويل الذي يمكن أن يوفره الاستثمار الخاص بشقيه المحلي والخارجي، بيد أن العديد من التساؤلات ما زالت ماثلة وتحتاج إلى إجابات واضحة من القائمين على اقتصاد المحافظات، وذلك لتوجَّيه مشروعات واستثمارات برامج الاستثمار الاجتماعي إلى المسار الصحيح بما يعزز الميزات النسبية والتنافسية للمحافظة الواحدة وبشكل يتفادى الازدواجية داخل استثمارات المحافظة الواحدة (الولايات)، ويؤسس للتكامل مع الاستثمارات والخطط المركزية التي ستتيح في قادم الوقت المزيد من المساحات لاقتصاديات المحافظات بهدف تحقيق الفارق لصالح النموذج الذي يستغل كل مقومات ومفاتيح النجاح.

وقد يكون الاستثمار الاجتماعي أحد تلك المفاتيح وفق ما نتوقع بجانب المقومات الأخرى المتعلقة بالحوكمة وتنظيم العمل وكفاءة الموارد البشرية وتغليب المصلحة العامة على أي رؤى ضيقة لا طائل منها. وللاستفادة من التجارب السابقة نحو خدمة مسار الاستثمار الاجتماعي المفترض واعتباره أحد روافد التنمية لاقتصاد المحافظات، لابُد من الوقوف على أمثلة تحديات تطبيقات برامج الاستثمار الاجتماعي خلال السنوات الماضية وسبل معالجتها- وفق رؤية المقال- وذلك على النحو الآتي:

•     ازدواجية وتكرار مشروعات وبرامج الاستثمار الاجتماعي في الولاية أو المحافظة الواحدة؛ هذا التحدي قد تعالجه الخطط السنوية للمحافظات ومواءمة برامج التنمية داخل المحافظة الواحدة، واعتبار الخطة التنموية المرجع الأساس لكل محافظة. كما إنه من المهم أن تدخل مناقشات ومداولات برامج واستثمارات وخطط الاستثمار الاجتماعي ضمن الحيز المتاح عند وضع الخطط والبرامج الحكومية حتى تتكامل مع البرنامج الإنمائي والاستثمارات القطاعية وكمصدر تمويل لابد من الاستفادة منه خلال المرحلة المقبلة.

•     دور الشركات مهم عند صياغة برامج الاستثمار الاجتماعي من خلال أخذ التغذية الراجعة (feedback) من الشركاء الحكوميين والمجتمع (المجالس البلدية والمثقفين وشريحة الشباب والجمعيات المهنية والأهلية)، وذلك داخل المحافظة الواحدة . هذا الاتفاق والتوافق والتفاهم على برامج واستثمارات مجتمعية يعضد من دور التخطيط التنموي على المديين القريب والمتوسط ويقرب من فجوة التمويل الكلي من خلال أداة الاستثمار الاجتماعي. كما إن هذا قد يُمكِّن- وبلا شك- شركاء التنمية في المحافظة الواحدة من خلق تنسيق أفقي (Horizontal Coordination) فعال بين البرامج والاستثمارات المجتمعية للوحدات الاقتصادية (فروع الوزارات والهيئات والشركات الخاصة والحكومية والاستثمار الأجنبي المباشر) وهذا ما قد يحقق نتائج نوعية، بدلًا من بعثرة وتكرار أو تقاطع العديد من تلك البرامج.

وهنا يدب التنبيه إلى أن الوصول إلى هذا يحتاج إلى تنسيق جيد من الإدارة المحلية وكوادر بشرية تدير هذا التوجه ليصل إلى غاياته النهائية، أي لابد أن يرتقي الأداء والتوجه والفكر والعقلية للإدارات المحلية (Mindset) بما يستوعب النماذج في مجال برامج الاستثمار الاجتماعي للشركات ونوعية استثماراتها وخططها والتزاماتها في الإطار الكلي للاقتصاد والتزامها بما يتعلق بالبيئة وتخفيض الكربون والتوظيف وبيئة الأعمال التنافسية . بدون ذلك لا يمكن أن يصل الجميع إلى برامج واستثمارات مجتمعية مستدامة تخدم اقتصاد المحافظات وجوانبه التنموية.

•     غياب قياس الأثر أو تدني مستوى الأدوات التي تقيس أثر الاستثمارات المجتمعية يعمل على إبطاء عملية الاستفادة من تلك الاستثمارات داخل المحافظة الواحدة. وقد تكون هذه المشكلة ليست محصورة محليًا، وإنما بارزة حتى على المستوى العالمي. ويبقى من المناسب أن يكون لدى القائمين على اقتصاد المحافظات أدوات وممكنات جاهزة لقياس الأثر ولا ضير في أن توضع مؤشرات عملية تقيس ذلك الأثر بعناية وتعمل على تعديل المسار متى ما اقتضت الحاجة لذلك. وهنا لا بُد من الإشارة إلى أن تقارير الاستدامة الربعية أو النصفية أو السنوية لبرامج الاستثمار الاجتماعي للشركات ومعايير الإفصاح المستخدمة في العديد من التجارب العالمية تدخل عليها تحسينات مهمة بين الحين والآخر، وذلك في مختلف عناصرها وبنية أدلتها بما يساعد على فهم أكبر وأوسع وإحاطة بأداء برامج الاستثمارات المجتمعية للشركات على وجه الخصوص، بالأخص الشركات الكبرى.

ولا شك أن هذا الاتجاه يحتاج إلى متابعة حثيثة وبناء قدرات تعكسه على المستوى الوطني والمستوى المحلي لكل محافظة على وجه الخصوص.

تلك هي التحديات مع تضمين بعض الإشارات إلى مواطن الحلول، ولكن يبقى تحفيز أداء الاستثمارات الاجتماعية داخل المحافظة الواحدة غاية في الأهمية وأداة قابلة للتطوير بما يخدم اقتصاد المحافظات وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع ويرتقي بالنماذج التنموية الرائدة إلى آفاق أرحب.

** باحث اقتصادي