قراءة في زيارة الرئيس الأسد للإمارات

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

تأتي زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة في ظل مشهد إقليمي ودولي عناوينه الرئيسة: قانون قيصر الأمريكي لحصار سورية- تدني الرصيد السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان- الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الإقليمية والدولية- الخطوات الأخيرة لإقرار الاتفاق النووي في فيينا.

أكثر الملفات سخونة اليوم في سورية هو ملف قانون قيصر الأمريكي الجائر والذي حاصر سورية والسوريين معيشيًا وأضر بهم إلى حد كبير، ومن واقع تجارب الحصارات الأمريكية السابقة على الأقطار العربية (العراق، ليبيا) لم يكن لها النجاح لولا الإذعان العربي التام لها وتطبيقها بحذافيرها خوفًا وطمعًا.

دولة الإمارات العربية المتحدة بحيويتها السياسية، استطاعت أن تفرض نفسها كرقم وازن في الأوضاع الإقليمية، ويُحسب لها قدرتها على تخطي الحصار الغربي المفروض على إيران منذ قيام الثورة عام 1979م بصمت ودون ضجيج؛ حيث يمثل التبادل التجاري بين دولة الإمارات وإيران أكثر من 20 مليار دولار سنويًا، إضافة إلى حركة النقل الجوي والبحري وتدفق الاستثمارات والرعايا الإيرانيين بشكل يومي على الإمارات وتحديدًا إمارة دبي. وسر الصمت الغربي عامة والأمريكي خاصة على هذه العلاقة الخاصة بين دولة الإمارات وإيران يكمن في قدرة الإمارات ومناورتها ونجاحها في استقطاب رساميل غربية وأمريكية مهمة للاستثمار وبالنتيجة الصمت تجاه هذا التعاون لمقتضيات المصالح العامة.

اليوم يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة- في تقديري- بسط ذات النهج مع سورية والالتفاف على قانون قيصر الأمريكي وبذات الأدوات المصلحية التي أخرست الغرب وأسكتتهم عن أي إدانة أو عقوبات على الإمارات تتعلق بتعاونها التجاري الكبير مع إيران.

انفتاح دولة الإمارات على سورية تجاريًا وفي هذا الظرف الدقيق، سيكون له أثمان تقدمها دمشق في المقابل لرد الجميل الإماراتي، فكلا البلدين يمتلكان أوراقًا سياسية حيوية ومهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي ويمكنهما التكامل الفاعل سياسيًا لتقديم خدمات ومنافع متبادلة بينها.

دولة الإمارات دخلت مؤخرًا وبقوة على الملف التركي، واستغلت بذكاء تدني الرصيد السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحاجته الماسة إلى دعم خارجي ينعش آماله والاقتصاد التركي المتذبذب ليستعيد حيويته السياسية، بعد أن أصبح أردوغان قاب قوسين أو أدنى من السقوط الحتمي. وقد نجحت الإمارات في طي خلافها مع أردوغان سريعًا وفتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين، وكانت أولى ثمارها ضخ دفعة أولى عاجلة لمبالغ استثمارية إماراتية بتركيا كعربون حسن نية، وفي المقابل تخلي تركيا التدريجي عن احتضان رموز الإخوان ومنابرهم الإعلامية في تركيا.

يمكن للإمارات بسط تجربتها مع أردوغان لصالح سورية اليوم بمزيد من الإغراءات والضغوط لدفعه إلى التسليم بوحدة الأراضي السورية وسحب دعمه للفصائل المناوئة لسورية وسحب وجوده العسكري من سورية. وفي المقابل يمكن للإمارات تحقيق عدد من المكاسب السياسية والاقتصادية من الطرف السوري وعلى رأسها تحقيق السبق لدولة الإمارات في إعادة إعمار سورية بدءًا من المناطق الحيوية الآمنة مقابل أحقيتها في تحقيق عوائد مالية من تلك المشروعات بالداخل السوري وخارجه في المجالات الزراعية والعقارية والصناعية والسياحية...إلخ. وفي المقابل كذلك يمكن أن تقدم سورية لدولة الإمارات العربية المتحدة مكاسب سياسية مهمة مع حلفائها الإستراتيجيين الروس والإيرانيين.

العالم اليوم بعد أزمة أوكرانيا ليس كما كان قبلها، فقد أعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنَّ العالم يتشكل مجددًا، وأن الغرب أهمل التقييم الحقيقي السياسي والإستراتيجي المُحكم للقوى الصاعدة، وعلى رأسهم الصين وروسيا والهند، وبالنتيجة سيدفع الغرب ثمنًا باهظًا لهذا التقصير المُعيب.

قبل اللقاء.. تحقيق المصالح العارية من أي عواطف بين الأقطار العربية هي مطلب اليوم في ظل غياب رؤية عربية وقواعد عامة تحكم العلاقات العربية العربية وتؤطرها.

وبالشكر تدوم النعم.