قصيدة "أبى الدهر" للبارودي

 

ميثاء بنت ناصر الجابرية

تتميز الأعمال الأدبيّة المُنتمية إلى المدرسة الكلاسيكيّة الحديثة ببريقها ولمعانها الخاص؛ فهي تتبع خصائص مُعينة يجب على كل شاعر اتباعها. وأبرز روّاد هذه المدرسة الكلاسيكيّة هو الشاعر محمود سامي البارودي الذي صدر له الكثير من المؤلفات التي أحدثت نقلة وطفرة كبيرة في الشعر وأشهرها قصيدة "أبى الدهر".

أولًا، يجب علينا أن نفكر في الطريقة التي سنحكم بها على القصيدة، ونحاول ألاّ نقصر باتباع طرق عادلة في تقويم الشعر، ونركز على المستوى الإبداعي وتمثل هذه القصيدة عملا أدبيا قويا ومشهورا بالنسبة لأعماله السابقة فقد كرر إنتاجه السابق بطريقة جديدة ومبتكرة يمكن إضافتها إلى طريق الشاعر بالإبداع المتميز.

وعندما نلاحظ الخصائص التي جمعت بين أبيات هذه القصيدة، نجد أنها تنطبق على المدرسة الكلاسيكية الحديثة، ولكن بها الكثير من التجديد فهو بعيد عن شعر المناسبات، ويعبر عن عاطفة صادقة بتجربة حقيقية عاشها البارودي. ومن الناحية الفنية نجد أن القصيدة بها وحدة عضوية وتماسك، فهي لم تنتهج نهج القصيدة القديمة، ولم تبدأ بمقدمة أقرب للمقدمة الطللية، مما أدى إلى تقوية الوحدة العضوية، كذلك لم تكثر فيها الرموز غير الصالحة للحياة المعاصرة، واللغة اتسمت بالرصانة فالفكرة دائمًا سامية وطنية ترتبط بالوطن وهم الشعب، والعاطفة كانت دائمًا صادقة، اهتم الشاعر في هذه القصيدة بالتعبير عن قضايا الوطن، وإيضاح مشاعرهم الخاصة تجاه تلك القضايا والأحداث. يعبر الشاعر عن اشتياقه وحنينه الحقيقيّ إلى مصر، وينتقد بعض أنواع الفساد.

الشاعر أحدث نقلة نوعية بالعبارة الشعرية من الضعف والركاكة إلى القوة والصحة بدون أي مقدمات. لذلك الشاعر هنا في مرحلة متقدمة من الشعر، فهو كان الأول من الشعراء المطبوعين في العصر الحديث.

السليقة الشعرية التي يمتلكها البارودي تكشف لنا عن مقوّمات شخصيته القوية، ويعبر من خلالها عن طبيعته، وإذا نجح في ذلك فهو ناجح في التعبير عن الآخرين.

نتأمل هذا الجندي الشجاع الذي يخوض الحروب، ويدافع عن المظلومين وأرضه ووطنه، ويجمع بين ثقة الأمير وثقة الثوّار المطالبين بحقوقهم. ويحب الشاعر الحياة العادلة ويستمتع بالمغامرة.

جمع البارودي في هذه القصيدة بين جودة الصناعة، والعبارة المتميزة، وصدق المشاعر بدون تكلّف، كما نعلم أن أهم الروّاد الذين يمثلون البارودي العقّاد فنتساءل هنا هل تمثل هذه القصيدة المدرسة التي ينتمي إليها الشاعر؟

البارودي هنا نجح نجاحًا كبيرًا في قصيدته، ومثّل التيار المنتمي إليه بالرغم من وجود الكثير من التغييرات في الشكل والمضمون. نستنتج أنَّ الشاعر يتحدث عن معاناة الشعب من بعض أنواع الظلم...ويخبرهم كيف يجب أن يتصرفوا للدفاع عن أنفسهم بالسيف والقوة، لذلك نجح الشاعر في تقريب فكرته وإيصالها قبل أن يبدأ بنظم القصيدة من خلال العنوان، وعند الغوص في أعماق قصيدته تتضح لنا روعة الأسلوب، ورصانة الأفكار، وقوة التعبير تتلاحم جميعها لتكوّن عملًا أدبيًا مشهورًا يتغنى به الجميع.

تعليق عبر الفيس بوك