يا أمّة..

 

يحيى الناعبي

 

في الاستراحات البسيطة التي نمدّ فيها أذهاننا نحو جهاز التلفاز، غالبًا ما يكون الفضول نحو القنوات الإخبارية، تلك التي ترسم لنا واقعنا وتتنبأ بمستقبلنا، لأن عالمنا الحالي قائم على السياسة وتقلباتها. السياسة التي توجّه ثقافتنا، واقتصادنا، وقضايانا الفردية والاجتماعية، خصوصًا عالمنا العربي المليء بالهزيمة من الداخل والنكران لشعوبه.

إحدى القنوات كانت تستعرض صحف العالم، تنتقي منها أهم الأخبار والمقالات بحسب توجهها وميولها، حالها كحال باقي القنوات الإعلامية العربية التي تتبع أجندتها الخاصة، وليس العُرف الصحفي والإعلامي، ولكي نكون منصفين أصبح الإعلام اليوم سلعة خاصة، ولكن تبقى الفروق بارزة بين الإعلام العربي والغربي في الطرح.

كان من بين ما تم عرضه خبر معنون في صحيفة إسرائيلية "لماذا لا تستبدل دول الخليج من يقوم بحمايتها، بدلًا أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تستعين بإسرائيل؟"، والغريب في الأمر ومن باب السخرية أنه ذكر في الخبر أن على دول الخليج الاستعانة في حمايتها بإسرائيل وبمنظومة ترسانة الحماية التي تفتخر بها وهي القبة الحديدية، تلك القبة التي عرّتها الصواريخ اليدوية التي كانت تطلقها غزة ونزعت عنها قناعها.

إنَّ جرأة الصحيفة في نشر مثل هذه الأخبار علانية وعلى مسامع الجميع مستفزة، كغيرها من الأخبار التي تستهين بالحكومات العربية من المحيط إلى الخليج، وأحيانًا قبل اللقاء مع مسؤوليها أو بعده. هل فعلا دولنا هي محط سخرية وتهكّم؟ وعلى الرغم من أننا نعترف ونرضى بذلك كوننا في ذيل القائمة بين الأمم.

ألا يوجد مذهب أخلاقي يدافع عنّا بتخفيف ثقل العيار عند نشر أخبارهم عنّا؟

نحن نعلم وبفضل الرأي والرأي الآخر حول عالمنا العربي، أنه أصبح لا يُمثل الحضارة بمعاييرها ونظمها، وخصوصًا في المعايير الأربعة الرئيسية التي تقوم عليها أي حضارة كالموارد الاقتصادية والقواعد والأنظمة السياسية، وعلوم الأخلاق والتقاليد، وأخيرًا المعرفة والعلوم المختلفة. فلو راجعنا كل معيار من هذه المعايير لوجدنا أنها متجزئة ومبتورة تخدم حالات معينة وليس الإنسان العربي بشكل عام. فهو لا يزال يعيش حالة الخوف وانعدام الأمن مما يدور حوله قبل أن يكون له حق السؤال في الكيفية التي يُعبّر بها عمّا يدور حوله، كيف ولماذا؟

ففي الوقت الذي تفتخر فيه الدول بشعوبها لا تزال الدول العربية تعتبر شعوبها بؤرة الوقوف أمام خذلناها وتراجعها؛ بل وعلى العكس من ذلك، سعت هذه الدول إلى تفعيل الأسباب التي تؤدي إلى نكوصها وزوالها عبر شعوبها حتى ترمي التهمة عليهم وكأنما الشعوب هي من يمثل المركز والقيادة. فعلى سبيل المثال، ساعدت الدول على تأسيس نظرية الترف السلبي عند الشعوب وعدم استغلاله جيدًا، ولم يتم توجيهه بالشكل الصحيح، حتى أصبح لهذه الشعوب عادات سيئة غير موجودة عند باقي الشعوب، وبدورها ساعدت على التمكن من الإنسان العربي ليصبح مدمناً عليها واعتبرها جزءا رئيسيا ومسيطرا في حياته المعيشية، وطبعاً هناك أمثلة كثيرة لهذه العادات لا حصر لها.

فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته أنَّ من الأسباب التي تؤدي إلى نكوص الأمم وزوالها هو الترف الذي لا يحسن توجيهه، إضافة إلى عوامل وأسباب أخرى مُتعلقة بالسياسة وتقسيم الثروة والعدل، وكذلك علاقة رجال الدين بالمال والثروة واهتمامهم المنصب بجمع المال، والعصبية الدينية والقبلية وتناسلها بين أفراد الأمة الواحدة، وغيرها مما يسع مجالا للذكر والشرح في هذه الرقعة البسيطة.

إن الخذلان الذي أصاب الشعوب العربية، والبؤس الذي يحتويه عالمنا العربي انعكس على الحكومات وأصبحت محط سخرية وتندر. فكم من المرات سمعنا كيف أننا أمة جاهلة تقتتل فيما بينها بسبب التشدد في الفكر المتوارث والذي لا يفقهون منه شيئًا؟ فلكل فرقة من هذه الشعوب فكرها ومنهجها لمذهب خاص بها ذيلته بالعداء لفكر ومنهج المذهب الآخر، على الرغم من أن كليهما يستظلان بظل الدين الواحد. وبسبب الحشود المجّهلة والمُصابة بعمى البصيرة الذي راكمته الحكومات، أصبح التناحر بينهم بالشكل الذي يخجل العاقل الانتماء على الفكر وعلى القائمين والمروجين له.

لذلك.. ففي الزمن الذي تتسابق فيه الدول بالتسلح نحو المعرفة والعلم، تتسابق أمتنا العربية بالجهل والحقد والبغض. تتناسل فينا الكراهية في الوقت الذي يعيش فيه الأطفال والنساء وكبار السن في الجوع والمرض والبرد القارس في المخيمات والملاجئ هرباً من سلاح أبناء جلدتهم.

"يا أمّة ضحكت من جهلها الأمم"!!