طالب المقبالي
تشرفتُ قبل أيام بالتكريم ضمن الاحتفال باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة، والذي يُوافق الثالث من ديسمبر من كل عام، وأقيم الحفل تحت رعاية كريمة من صاحبة السُّمو السيدة الدكتورة منى بنت فهد بن محمود آل سعيد، وتكريمي هذا جاء بصفتي أحد العاملين سابقًا في مجال رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقبل ذلك كان لي الشرف أن عملتُ ثلثي عمري العملي في رعاية وخدمة هذه الشريحة الطيبة الخلوقة المرحة. لقد تدرجتُ في عملي إلى عدة أعمال، لكن الفترة التي قضيتها مع هؤلاء الأحبة من أسعد الأوقات التي قضيتها في العمل، وهي المرحلة الأكبر. استطعتُ تكوين علاقات شخصية مع الأشخاص ذوي الإعاقة، والذين يُطلق عليهم أيضًا "أصحاب الهمم" وهو اللقب الذي يفخر به الجميع. فمن حبي لهذه الفئة وللصداقات التي ربطتني بهم أنشأت عند تصميم منزلي في عام 1994 منحدرًا لمرور الكراسي المُتحركة لذوي الإعاقات الحركية؛ كي يسهل على أصحابي من هذه الفئة دخول منزلي بأريحية ويُسر، علمًا بأنه لا يوجد في أسرتي شخص يعاني من إعاقة حركية، كما لا يوجد كبار سن يستخدمون هذه الكراسي. وقد أثار هذا المنحدر فضول زواري من الأصحاء، واستغرابهم من إنشاء هذا المُنحدر في ذلك الوقت، وربما تغيرت النظرة في وقتنا الحاضر، وسنشهد منحدرات في كل المنازل والمرافق العامة.
وقبل مُغادرتي العمل بعد طلب التقاعد، قمتُ بزيارة من استطعت زيارتهم، وتحديدًا أطفال مركز الوفاء لتأهيل الأشخاص من ذوي الإعاقة بالرستاق، فيما استمرت علاقات بالآخرين، وما زال التواصل بيننا مستمرًا.
ذكريات العمل مع هؤلاء الأشخاص لا تنتهي؛ لأنها مليئة بالمتعة والسعادة. وقبل أيام زرتُ مقر عملي السابق والتقيتُ بمن تولى مسؤولية القسم الذي كنت أديره، فكانت المفاجأة كبيرة والفرحة لا توصف، فقد كانت واحدة من أصحاب الهمم اللائي عملتُ بصحبتهن، فقد عرفتها طفلة من أطفال مركز الوفاء، ثم التحقت بالدراسة وأكملت الثانوية العامة، ثم واصلت دراستها الجامعية والتي اجتازتها بهمة واقتدار، إنِّها الفاضلة/ زكية السيابية، أسأل الله لها التوفيق والسداد.
وبالعودة إلى الاحتفال باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي تشرفت بالتكريم فيه، فقد تضمن عدد من الفقرات المنوعة والتي بدأت بتلاوة شجية عذبة من القرآن الكريم تلاها الطفل عبدالرحمن العبري وهو يعاني من "اضطراب طيف التوحد"، أعقب ذلك كلمة وزارة التنمية الاجتماعية التي ألقاها حمود بن مرداد الشبيبي مدير عام المديرية العامة لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي الكلمة التي كانت بمثابة موسوعة من المعلومات والإنجازات التي حققها الأشخاص ذوي الإعاقة في السلطنة، وأيضًا الخدمات والرعاية التي يحضون بها في السلطنة، والتي لا يمكن حصرها في هذا المقال.
والجزئية التي لا يمكن تجاوزها مما ورد في كلمة الشبيبي حين قال: "لقد أقرت اللجنة الوطنية لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة إعداد دليل وطني للمواصفات الهندسية للبيئة العمرانية الدامجة ووسائل النقل للأشخاص ذوي الإعاقة بمشاركة الجهات المختصة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وبتمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، وهذا الدليل سوف يكفل حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول السهل إلى مختلف الخدمات، كما سوف يسهل على مختلف الجهات المختصة تطبيق المعايير الدولية والوطنية لجعل البيئة ووسائل النقل سهلة الوصول والاستخدام".
كما كان للأشخاص من ذوي الإعاقة مساحة للحديث من خلال كلمة اشترك في إلقائها كل من بلقيس العبرية، وخميس الشرجي، ودرر العامرية عبروا فيها عن مشاعرهم تجاه هذا اليوم الذي يفرز لهم مساحة للفرحة والبهجة والمشاركة الفاعلة فقالوا: "يعد الاحتفال باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي يُصادف الثالث من ديسمبر من كل عام، فرصة لتجديد اهتمام المجتمعات بواقعنا وإثبات قدراتنا ومهاراتنا التي تؤهلنا للحصول على كافة التسهيلات اللازمة لنتعامل مع جوانب الحياة المختلفة، تحت شعار (قيادة ومشاركة الأشخاص ذوي الإعاقةِ نحو عالمٍ شامل للجميع، يسهل الوصول إليه، ومستدام في مرحلة ما بعد كوفيد 19)".
ومن بين فقرات الحفل البهيج عرض فيلم مرئي بعنوان "مبدعون"، ثم فقرة "مرايا" من استعراض محمد الصارمي الذي أبهر الجميع بقصة حياته التي توجها بنيل درجة الماجستير، كما تم عرض فيلم بتقنية D3 بعنوان "حقي مكفول"، ثم جاءت فقرة التكريم التي لم تنسى أحدًا، حتى الذين حزموا أمتعتهم وغادروا أسوار العمل.
فشكرًا وزارة التنمية الاجتماعية، وأستوصيكم خيرًا بهذه الفئة، ومن بينها "متلازمة داون" التي لم يُحدد لها مصير ما بعد الصف التاسع فكري في مدارس وزارة التربية والتعليم، ومن بينهم ابنتي (سُندس) التي كتبتُ عنها كثيرًا ووجهتُ رسائل عنها وعن أقرانها من متلازمة داون، الذين يتمتعون بالطيبة والمرح، فأحمدُ الله أن وهبني سندس.