على مشارف ربع القرن

يحيى الناعبي

بدأت معالم ربع القرن الأول من الألفية الثانية تلوح بأعتابها. فهل حقق القادم من الألفية الثانية طموحه في الحياة؟ أم أنها رحلة تراجع وتوالي هزائم ومآسٍ على المستويات المختلفة. نحاول أن نتجنب الطرح التشاؤمي المباشر، ولكن في المقابل علينا أن نسرد الوقائع وننقلها كما تتداولها وسائل الإعلام في العالم حول وضع العالم اليوم.

على مستوى الصراعات السياسية بين دول عديدة فإنها تمثل محورا خطيرا لصراع دولي عام ولنشوب حرب كونية. وأهم هذه الصراعات ما يدور في بحر الصين الجنوبي، والتي لو انطلقت شرارتها سوف تلتهم آثارها ما يتبقى من الكرة الأرضية؛ فسيناريوهات الحرب النووية واردة والعالم اليوم ليس شبيه الأمس بعد تسابقه المحموم على صناعة السلاح النووي. أما عن الاضطرابات السياسية الأخرى والتي تخلف الدمار في بلدان متفرقة من هذا العالم وخصوصا دول العالم الثالث المليء باضطراباته السياسية، فقد حصد الأرواح وأنهك البنى التحتية وضاعف من معدلات انتشار الأمراض والأوبئة، وبالطبع أثر بشكل أكبر على اقتصاديات هذه الدول وسبب خللا في منظومتها المعيشية، فضاعف الفقر فيها وانتشر معدل الجريمة بين أفرادها.

كما تعد أزمة المناخ من الأزمات الأولى التي يهتم العالم بمعالجتها، فتزايد انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وارتفاع درجات الحرارة، أدى إلى اتساع رقعة الدمار في مساحات واسعة على كوكب الأرض، وازداد خطره على الكائن البشري ليس فقط في الدمار الذي تخلفه هذه الكوارث في الوفيات والأمراض وهدم الممتلكات؛ بل أيضًا أثّر على الأمن الغذائي والتهجير القسري لملايين من البشر بعدما غمرت المياه الأرض وهناك مساحات كبيرة مهددة بغمر المياه لها واختفاء أثرها، إضافة إلى حرائق الغابات والتصحر التي لا تقل أثرا عن غيرها من الكوارث. فبحسب تقديرات البنك الدولي هناك أكثر من 140 مليون إنسان في كل من أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وأفريقيا سيضطرون إلى الهجرة الداخلية بحلول العام 2050.

أيضًا أثر عدم الاستقرار السياسي والكوارث والظروف المناخية على إحداث خلل في الاقتصاد وإن التعافي الذي تحاول خلاله الدول في الاقتصاد يبدو أنَّه معرض للخطر. ويعاني العالم اليوم من ارتفاع في الأسعار وشح في السلع، نتيجة عدم الاستقرار والتقاطع بين العرض والطلب.

لستُ في هذا المقال بصدد إبراز النسب والإحصاءات حول الانتكاسات الاقتصادية حتى لا يتسبب في بث الفزع والإحباط في نفس القارئ، ولكن الأزمات في تصاعد مُستمر بسبب الانخفاض في النمو الاقتصادي. وطبعًا في الوقت الراهن فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية حدي ومتسارع بسبب وباء كورونا المتحور الذي وبحسب الخبراء أن نتائجه مختلفة عن الأزمات السابقة وآخرها ما كان في العام 2008، وبالتالي فترة علاج هذه الأزمة غير واضحة المعالم لدى المُختصين. هذا بدوره أدى إلى زيادة وتيرة الكثير من الأزمات المتفرقة والمصاحبة وقد لا تكون متداولة عند الأفراد لكنها تمثل ظواهر ناتجة بسبب الظروف الاقتصادية، مثل جرائم القتل الفردية، وظاهرة اختطاف الأطفال، العنف الأسري وغيرها من الأزمات.

إنَّ عدم اليقين من مدى استيعاب آثار ظاهرة كورونا هي بعد ذاتها مشكلة عظمى على العالم، فهذه السلالات المتعاقبة لهذا الفيروس شلّت كافة أنواع الحياة في المجتمع الدولي. ففي الوقت الذي تضاعف فيه عدد ضحايا الفيروس، كان الناجون منه يعيشون تخوفًا في مصائرهم، فهم بمثابة أحياء يرتدون أكفانًا؛ فالعلماء يخشون من أن تتطور السلالات إلى أن تتفوق على اللقاحات المصنوعة لها. خصوصًا، أن الدراسة حول نسبة نجاح اللقاحات السابقة كانت هزيلة وبائسة في التصدي لهذا الفيروس المتحور سريعاً والمعقد في حالاته. فوق ذلك كله، العالم يتضاعف في انهيار اقتصاده بسبب الحجر وتضييق حركة البشر.

إن التسارع الذي يشهده العالم في كل شيء، زاد من تعقيد الكيفية التي ينظر إليها العالم نحو الحل، ولم تعد قصيرة الأجل؛ فالبيانات والإحصائيات حول نتائج ومخلفات هذه الجائحة تتصاعد وتيرتها، ولم يعد المرض وحده هو المعضلة؛ بل إن العوامل التي تسبب بها هي التي فاقمت من مشكلات المجتمع المعاصر.

ورغم كل ما طرحناه سابقًا، يبقى الأمل وحده هو طريق الإنسانية، وهذا لا يتوافر إلا بوجود الحس الجمعي في تنظيم الحياة من أجل الوقوف أمام كل هذه التحديات.