حُب الوطن حياة

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

ما أجمل أن يكون هناك حب وولاء للوطن، فحب الوطن فطرة إنسانية أودعها الله في نفوس البشر، وباركها لهم، وشجعهم عليها، وعلى كل إنسان سوي أن يحافظ على الفطرة التي جبل عليها، لأنَّ فيها استقامة للنظام الكوني، ولأجل ذلك لابد وأن يحمي الإنسان تلك الفطرة بكل جوارحه وإمكانياته التي سخرها الله له.

 فحب الوطن لا يتحقق بمجرد رفع الشعارات البراقة والرنانة هنا وهناك، دون أن يكون في مقابلها فعل يعبر عنه، وسلوك يثبت فيه المواطن صلاحه وانتماءه الصادق لوطنه.

 فحب الوطن هو آية من آيات الله تعالى ينبغي احترامها وتقديرها وترجمتها في الواقع الاجتماعي، من خلال العطاء والوفاء والإخلاص، بل والعمل الجاد من أجل الوطن ورقيه ورفعته ومكانته، ولا يكون ذلك إلا بتعزيز أواصر التآلف والتآزر والتواد بين أبناء الوطن الواحد، ليكون الجميع صفاً واحداً، متماسكين متحدين، متحابين باذلين الغالي والرخيص من أجل إعلاء كلمة الوطن وسمعته وهيبته بين سائر الأمم.

 ويتحقق حب الوطن عندما يكون أفراد الوطن كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فعندما يكون حب الوطن حباً واعياً ومسؤولا فذلك يعني محافظة الناس على منجزات الوطن ومكتسباته، بل والدفاع عنه من كيد المعتدين والمتربصين به، وذلك في حد ذاته عمل إيماني يؤجر عليه كل من أحب وطنه وعاش من أجل خدمته ورفعة شأنه، وهو عمل صالح كبقية الأعمال العبادية الصالحة التي يقوم بها الإنسان ويؤجر عليها في حياته.

إن التآزر والتكاتف الاجتماعي بين أبناء الوطن يعني التجسيد الحقيقي للحب والوفاء والإخلاص والولاء لسمعة الوطن وأمجاده ومنجزاته التي تحققت، وهو ما يحتفل به الإنسان العماني في عيده الوطني الخالد الذي يصادف الثامن عشر من نوفمبر المجيد، والذي يبتهج فيه العمانيون فرحا وابتهاجا في كل عام بما حققوه من ترجمة واضحة للحب والمساواة والشراكة الوطنية التي آمن بها الإنسان العماني منذ القدم، وكان بذلك نابذا للعنصرية المقيتة والتمييز البغيض، فكان العمانيون ولا زالوا أهلاً للمواطنة الصالحة بشتى ألوانهم وأشكالهم وطوائفهم، ولا زالوا يؤمنون إيماناً راسخاً بأهمية احترام الوطن ومن عليه، في ظل استراتيجية عمانية واضحة الملامح تدعم حالة السلام والأمن والاستقرار في المنطقة العربية والعالم أجمع، تحت راية عاهل البلاد المفدى السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي تصدى للحفاظ على منجزات الوطن العظيم الذي حققته الدولة العمانية طيلة واحد وخمسين عاما بقيادة السلطان الخالد باني نهضة عمان ورائد الحضارة قابوس بن سعيد- رحمه الله تعالى- الذي جعل من اسم عمان يزهر للعالم كما تزهر كواكب السماء لأهل الأرض، فأصبحت سلطنة عُمان تحظى بالسمعة الطيبة التي هي من أفضل وأحسن وأغلى المكتسبات التي ينبغي الحفاظ عليها اليوم من قبل الجميع والتي بها يرتقي الوطن إلى أفضل أحواله، ليكون صرحا شامخا ومشرقا في محط التقدير والاحترام والإعجاب، فلابد أن يذكر الوطن في المحافل العلمية والأدبية والسياسية والاجتماعية في الداخل والخارج بأفضل الأذكار وأحلاها.

وما أجمل الإنسان عندما يجعل من نفسه جنديا وفيا لوطنه، بفكره ومواهبه وإبداعاته وطاقاته المتفتقة بنور العلم، ويجعل من نهجه نهجا راسخا متألقا في خدمة وتطوير الوطن، ليرتقي به إلى سماء المجد والعزة والكرامة.

على الإنسان أن يقدم لوطنه كل ما يمكن تقديمه ليساهم في عمرانه وازدهاره وبنائه، فكما أن الإنسان لايستطيع بمفرده بناء بيته إلا بعد إعداد تصاميمه الهندسية بأسس متينة، وخارطة مدروسة، وأيدي عاملة متقنة، كذلك هو الوطن فهو البيت الكبير الذي ينبغي على الجميع أن يتعاونوا في تنظيمه وازدهاره ورقيه، والاعتناء به، قال أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب: "عمرت البلدان بحب الأوطان"، فلابُد أن يسخر حب الوطن في بنائه وازدهاره وحفظ سمعته وإنجازاته.