"شاهين".. سمحة والفوز (1959 -2021)

خالد بن سعد الشنفري

كارثة وفاجعة غرق السفينتين العُمانيتين "سمحة والفوز" اللتين ابتلعهما بحر العرب بمن فيهما وما عليهما في نفس اليوم والساعة تقريبًا قبالة بحر الشويمية في إعصار 1959 والتي تعتبر أسوأ كارثة وفاجعة فجعت بها عُمان كلها بكل المقاييس، هذه الكارثة التي تتضاءل أمامها حادثة السفينة الشهيرة "تيتانك"، فإذا كان ضحايا حادثة تيتانك التي أقيمت لها هالات إعلامية وأفلام عالمية 1500 شخص، ونجا منها أكثر من 700 غريق من مجمل سكان يقدر بالملايين من البشر، فإنَّ شهداء غرق سمحة والفوز 350 شخصا، هم كل ركابهما من أبناء صلالة وصور اللتين كان سكانهما آنذاك لا يتعدى 30 إلى 40 ألف نسمة تقريباً وقد بكاهما كل بيت فيهما لأن كل بيت نكب بفقيد على الأقل وتباكت عُمان كلها معهم بكاء الصابرين المحتسبين بصمت.

بدأت السفينة سمحة الإبحار من زنجبار إلى عمان قبل إغلاق الموسم بفترة بسيطة، وكانت محملة بحمولة تزيد عن الحد المتعارف عليه وعلى متنها 174 من العمانيين منهم 150 مسافرا و24 طاقمها، كل ذلك رغم تحذيرات الربابنة العمانيين هناك لقبطانها.

وانطلقت السفينة الفوز من فرضة صلالة تحت قصر الحصن العامر بحمولة كبيرة أيضًا ونفس أعداد الركاب وذلك رغم حدوث بوادر أولية في الأجواء تُنذر بحدوث أنواء مناخية غير متوقعة يمكن مشاهدتها بالعين المجردة، وكان الوقت مما يتوقع فيه حصول أعاصير وأنواء كل عدة أعوام في ظفار وأيضا رغم ورود تحذيرات بالإعصار إلى القاعدة الجوية الإنجليزية بصلالة من الهند وعلم الجهات الرسمية بها، إلا أنه على ما يبدو أن حداثة العهد بالتنبؤات الجوية وتوقعات أضرارها، فقد ترك قرار الإبحار لقبطان السفينة وركابها، القبطان الذي على ما يبدو غرّته حداثة ومتانة سفينته الفوز للمجازفة والإبحار بها ووافقه الركاب معتمدين على خبراته، بينما كان يجب أن يتم إيقافها من المخاطرة والإبحار.

عندما نقارن اليوم وبعد مضي 62 عامًا من إعصار وكارثة 1959- مقارنة مع الفارق- وفقدان عمان لـ350 شهيدًا غرقًا كانوا في مجملهم من خيرة رجالات وشباب صلالة وصور وبين إعصار شاهين وفقدنا فيه 7 أشخاص بسترٍ من الله وحمدٍ له، رغم ضخامة الخسائر المتوقعة في الأموال، فعلينا ألا ننسى ما وقع بين الإعصارين من أعاصير، فإن المنطق يستدعي أن نُعمل العقل في هذه الأحداث، والتي أصبحت ظواهر تتكرر علينا كل فترة من الزمن، وقد أصبحت عماننا الحبيبة تقع في منطقة أشبه بمرمى وهدف لها؛ أي أننا أصبحنا في منطقة أعاصير مثلما هناك دول تعد ضمن مناطق زلازل أو ثورات بركانية والكل يستعد بما يتناسب مع نوع العدو المنتظر، ولم يعد بخافٍ علينا اليوم أن ظفار على سبيل المثال أصبحت منذ إعصار 1959 تتعرض وبتواتر لمنخفضات وأعاصير أو ما يسمى محليا بـ"الحيمر" أو "الشلي" قبل وبعد فترة الخريف كل 10 سنوات؛ بل أصبحت الفترة تقل بين الإعصار والآخر في الآونة الأخيرة، وها هو الشريط الساحلي لبحر عُمان وحاضنتنا السكانية الرئيسية من الشرقية إلى مسندم وبها قلب عُمان النابض عاصمتنا مسقط العامرة بالذات منذ إعصار "جونو 2007" وإلى آخر الضيوف غير المرغوب فيهم "شاهين" اليوم أصبحنا تحت رحمة هذه الأعاصير.

مع مراعاة الفارق الزمني الكبير والتقني وما أصبحنا نمتلكه من مقدرات بشرية وتقنية ما بين زمني 1959 و2021 ومنظومات دفاعاتنا المدنية ومنظومات الطوارئ والأرصاد والإنذارات المبكرة وتثميننا لخبرات كوادرنا الدفاعية التي أصبحت تمتلك عوامل التعامل معها وعضيدتها العسكرية أيضًا خصوصًا بعد تجاربها مع إعصار جونو وما بعده من أخواته، إلا أن هناك دروس ورسائل ينبغي أن نقف عندها وأن نضع نتائجها في الاعتبار للبناء عليها والتزود للمستقبل لمواجهة ما سيحصل لا قدر الله.

مما سبق الإشاره إليه لن نحتاج إلى إعمال جهد عقلي كبير لمعرفة الخلل الذي رافق حادثتي سمحة والفوز، وقد تجاوزنا ذلك بمراحل ضوئية في وقتنا الحاضر، إلا أنه يجب علينا أن لا ننسى أو نتناسى الاستفادة من تجاربهما ليمكننا بعد ذلك القول "اعقلها وتوكل"، لا يفوتنا أن نشد أولا على أيدي رجال ومسؤولي منظومات دفاعاتنا المدنية والعسكرية بمختلف تشكيلاتها، ومن خلفها قواتنا المسلحة التي وقفت كالطود على أهبة الاستعداد، كعضيد والذين تعاملوا جميعًا مع الحدث بمهنية نرفع لها القبعة، بعد أن أصبحت كل محافظة من محافظاتنا قادرة على التعامل سريعًا وفورًا في نطاقها الجغرافي دون انتظار المدد من خارجها، إذا لم يستدعِ ذلك تطور الأمور، وقد شهدنا بغبطة وفرح التعامل مع حالات الإخلاء السكاني السريع لمناطق ذات كثافة سكانية في المصنعة وغيرها من الولايات. فكل الشكر والثناء لمن ساهم من إخوتنا وأبنائنا والحمد لله على تجنيب الخسائر في الأرواح بقدر الإمكان وهو الأهم، إلا أنه ومن ناحية أخرى فإنَّ الخسائر في الممتلكات والمقدرات الوطنية لا شك كبيرة، فإذا كانت خسائرنا في جونو بلغت 4 مليارات ريال عُماني وكنا في رخاء أفضل من وضعنا الراهن، فلا شك أن هناك خسائر نتيجة لـ"شاهين" ونحن في أمس الحاجة للمال في وقتنا الراهن.

الدرس هنا هذه المرة يجب أن ينصب على سد آخر الثغرات لتجنب الخسائر في الحال والمال معًا ألا وهو تجمع مياه هذه الأعاصير وعدم انسيابيتها، كما نلاحظ في كثير من الدول حتى لا تتضاعف الأضرار منها وقد أصبحنا نعرف مواطن الخلل في كل جزء من مناطقنا وحواضرنا وتجمعاتنا السكانية، ولم يعد يتبقَ أمامنا إلا التنفيذ الفوري على أرض الواقع ونضع له الأولوية في موازناتنا؛ لأنه سيجنبنا الكثير من الخسائر مستقبلا، وهذا ليس ببعيد أو غريب عنَّا فنحن العمانيين الذين قد انشأوا نظام الأفلاج وتصريف المياه والاستفادة منها قبل 3 آلاف عام.

حفظ الله بلادي عُمان من كل مكروه.