دعم الجمعيات المدنية

 

يحيى الناعبي

 

إنَّ التكاتف الجمعي الذي شهدته عُمان بعد إعصار شاهين هو دلالة واضحة على أهمية الدور الجماعي في المجتمع والتعاون مع المؤسسة الرسمية، بالرغم من أنه حاضر بصورة مستمرة في الظروف الطارئة. وهذا يُحيلنا نحو الانتباه إلى فكرة الدور الجمعي الذي لو أدخلناه ضمن منظومة التصنيف والمسميات الإدارية هو الجمعية أو الاتحاد أو الرابطة.

أذكر فيما أذكره منذ سنوات وقبل الإعلان عن إنشاء الجمعيات الثلاث الكتاب والصحفيين والسينمائيين، دارت نقاشات مستمرة بين المهتمين وذوي الاختصاص في الشأن المحلي. كنت حينها مؤمن بفكرة أهمية هذه الجمعيات على الرغم من أن المؤسسة الرسمية كانت تتحفظ نحو إشهار هذه الجمعيات بل إنه كان لديها "تابو" التسمية سواء كان جمعية أو اتحاد أو رابطة وغيرها. كنّا متيقنين في تلك الفترة أن تخوف المؤسسة الرسمية ناتج عمّا تعتقد أن لهذه المسميات دور ومساهمة في ديناميكية الحياة السياسية في دول العالم الأخرى.

الإشكالية التي لم يكن يعيها الرافضون لهذه الفكرة أن الجمعيات ضرورة مهمة لأنها تمثّل الأساس لأي مجتمع كبير متمثل في الوطن. بالتالي، كنت على يقين تام بأن الفكرة ستمثل حضورا رئيسا حتى وإن تأخرت. وما حدث مع الأنواء المناخية المتفرقة وآخرها إعصار شاهين هو تجسيد للدور الجمعي، ولكن دون تنظيم عام أو تنظيم أحادي من قبل تلك الفئة أو المجموعة. على سبيل المثال، مجموعة من الأفراد قرروا الذهاب إلى المناطق المتأثرة للمساعدة لفترة من الزمن وما عليهم القيام به في تلك الفترة، لإرضاء الذات في فكرة التعاون، وهكذا دواليك حدث مع باقي المجموعات.

تكونت الجمعيات من قبل فكرة أهلية سواء في القرى أو الولايات أو المناطق على مستوى الأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية وغيرها. بالتالي في اللاوعي الجمعي هناك جمعيات حتى وإن اختلفت في التصنيف والمحتوى والأهداف. ولو رجعنا أكثر لوجدنا هذه الجمعيات قد تشكّلت في المدارس والأنشطة المختلفة للجماعات المدرسية.

الإشكالية التي حدثت قبل إشهار الجمعيات أو الاتحادات أن المؤسسة الرسمية منغلقة في الذاكرة السلبية لدور هذه الجمعيات ودورها في العمل السياسي في بعض الدول، بالتالي اعتبروها دخيلًا على المجتمع. لكن لو تفطنوا إلى دور الأنشطة والجمعيات الأهلية في المدارس والقرى والولايات ثم المحافظات الإيجابي في المساعدة والتعاون مع المؤسسة الرسمية لما ترددوا في الإشهار بل اعتبروه هو المآل الطبيعي من العالم المصغّر للتعاون الأهلي إلى الجمعيات الأهلية الرسمية.

الدور الحقيقي للجمعيات بأنواعها وتصنيفها هو التنظيم، فلو تمَّ تنظيم الجمعيات الأهلية بإشراف جزئي من المؤسسة الرسمية من أجل وضع بعض الضوابط، لأصبح هناك تعاون متوافق في خدمة الدائرة الكبيرة المتمثلة في عُمان؛ لأن الجمعيات الأهلية تحمل الجانب التطوعي من ذوي الميول والتوجهات المتقاربة، وهي تشكّل قوة في العمل والإبداع إعطاء مساحة كبيرة في التفاعل. فما لا يستطيع الفرد المتخصص القيام به في المؤسسة التي يعمل بها بسبب القيود والمعوقات التي تفرضها مؤسسته، يكون دوره أكبر عندما يكون مرتبطاً بالتطوع. غالبا ما تكون الجمعيات هي تجمّع لذوي الاختصاص والاهتمام وبالتالي تكون أكثر تنظيما وإبداعا وعطاء. لذلك أصبح للجمعيات دور قوي في تفعيل ديناميكية الحياة السياسية من منظور تفاعلي إيجابي بنّاء.

وعلى الرغم من المجهود البنّاء والتفاعلي الخيّر للمجتمع العماني في الوقوف صفّا واحدا مع المتضررين، وكما أشرت في مقال سابق بأنها ظاهرة إنسانية في كل مكان، لكّن تجسيدها على أرض الواقع يثير الترابط المجتمعي والحميّة الوطنية. ذلك المجهود كان ينقصه التنظيم، فلو كانت هناك جمعيات أهلية تطوعية منظمة لأدارت المشهد التطوعي العام وأصبحت كل فرقة متخصصة تعمل ضمن نظام تخصصها وتعاونت مع المؤسسة الرسمية في توزيع المهام. وهذا يجب أن ينطبق على كلّ مشروع يتعلق بالنظام الجمعي مثل الصناديق الوطنية والخيرية، من أجل تسهيل طريقة العمل وبنسبة نجاح كبيرة. ومن ثم فالمشروع التطوعي المنظم من مختلف الجمعيات المختلفة يختزل أو يقلص العبء على المؤسسة الرسمية.

هنا إشارة إلى الدعوة إلى دعم الجمعيات الأهلية الخيرية؛ لأنها تمثّل النخبة التطوعية المتخصصة خارج النطاق الرسمي البيروقراطي؛ إذ إن المجتمع لا يقوم بدوره الفعّال إلاّ بالصورة التكاملية المنظمة، وهذا لا يتحقق إلاّ بتوفير هذه الفرصة لأفراده في تنظيم مؤسساتهم والنظر إلى الجانب المضيء منها، كما يحدث في باقي دول العام.