فوزي عمار
مُشكلتنا مع اللغة أننا أصبحنا في أحيانٍ كثيرة نُمارس ما يُسمى بالعمى المألوف، وهو أننا نرى الأشياء ولا نراها، نعرفها ولا نُؤمن بها، نُؤمن بها ولا نُمارسها. فمثلاً، نحن نسمع يومياً خمس مرات المنادي ينادي «حي على الفلاح»، ولكن القليل جداً منِّا يعي معنى الفلاح. فالفلاح في اللغة يعني العمل المثمر، الصالح، والصائب، والناجح، وهو قرين للصلاة ومعطوف عليها.
يقول المثل "ثبت العرش ثم انقش" ونسمع كثرة الاستدلال بهذا المثل مقالا وعدم العمل به حالا. يقول المفكر المغربي محمد عابد الجابري :" المعرفة بالشيء لا تعني اكتسابه" ، هذا على المستوى الفردي. أما على مستوى الحكومات فإنَّ الإيحاء بالحركة يُطرح في أغلب الأحيان بديلا عن الحركة. وهذا عكس الفلاح، فالفلاح عكس القول والخطابة. بل هو عمل ومضمون وليس شكلاً. وهذا تماماً ما يخلص إليه كتاب نزل مؤخراً في الغرب . للكاتب أين مورس عنوانه (Why the West Rules لماذا يحكم الغرب). يخلص الكاتب إلى أن الأشياء في الغرب تحدث حقيقةً. وليس فقط شكلاً وقولاً، فمثلاً عندما يتحدث الغرب عن حقوق الإنسان أو عن حقوق الحيوان، فإنك فعلاً تجد هذه الحقوق على الأرض. وهذا ما أسماه: القدرة على حدوث الأشياء.
وبالرغم من أن الغرب يدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الغرب نفسه من يقصف الإنسان في العراق وأفغانستان وليبيا وفي أحيان باستعمال سلاح محرم على غرار ما حدث في الفلوجة التي قصفت باليورانيوم المخصب؛ في تناقض بين السلوك في الداخل والخارج.
عندنا نحن أهل الشرق فالقول لا يوازي الفعل، فتجد من يتحدّث عن حقوق المرأة وزوجته وابنته لا تعملان، ونجد خطيب مسجد ولكنه لا يتحدث مع جاره، وأحياناً يعيش في قطيعة مع أخيه؛ بل نعرف عائلات معروفة بأنها متدينة، ولكنها لا تورث المرأة، وتجد موظفاً مُلتحياً ويطلب رشوة.
لن نتحدث عن الإسلام السياسي والنفاق والباس المدنس على المقدس وفتاوى القتل من قبل شيوخ دين بدلاً من الإصلاح بين المسلمين والناس والدعوة للسلم الاجتماعي. قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما).
من جهة أخرى، يقول رئيس تحرير صحيفة «النهار» اللبنانية الكاتب غسان تويني في أول زيارة له لبيت محمد حسنين هيكل- مُنظر الاشتراكية في عهد عبد الناصر- في القاهرة وهي فيلا فخمة على النيل، إنَّ الرجل يعيش حياة ارستقراطية بمعنى الكلمة، وخصوصاً من حيث عدد الخدم لديه، رغم تنظيره للاشتراكية فهو يعيش النقيض.
الخلاصة.. أقول إن الفلاح هو تطابق القول مع العمل والفعل، وإلا فسوف يكون كلامنا وعملنا مثل قول الشاعر: كلامك يا هذا كفارغ فستق ليس به نوى... ولكنه طقش. كم نحن في حاجة لفهم «حي على الفلاح»، فإذا فهمنا آمنا، وإذا آمنا عملنا، وإذا عملنا يحصل الفلاح.
إذاً فالدعوة خمس مرات يومياً "حيّ على الفلاح" هي دعوة مستدامة للعمل المثمر الصادق المخلص.