ريمونتادا الانتخابات

 

إسحاق البلوشي

isehaq26926m@gmail.com

اعتاد المجتمع الرياضي في المواسم الانتخابية أن يتلقى وعودا من المُتنافسين على المناصب في الاتحادات والأندية الرياضية، يجعلونها في قائمتين متناسقتين مطرزتين بالذهب لا تتغيران ولا تتبدلان على مر الزمان والأعوام، فقد أتقنوها أيما اتقان وهذبوها أيما تهذيب، يضعون على رأس الأولى قائمة الإنجازات وما تحتويه من أحلام وطموحات الشباب والرياضيين، ويضعون على الأخرى قائمة الأعذار والحجج وما تتضمنه من حكم المواعظ والتحلي بالصبر.

 فهم دائماً بين أمرين لا ثالث لهما، ففي حال تحقيق بعض النجاحات ولو كانت على أدنى المستويات تجدهم في حالة انتفاخ لا مثيل لها، وفي حال الفشل والانتكاسة فهم في سباق للبحث عن الأعذار الجاهزة المُعلبة التي لم تستخدم بعد، فلكل حادثة عندهم عذرها الخاص وما يتناسب معها، فتارة يلقى اللوم على الوزارة وتارة على اللجنة الأولمبية وأحياناً على قلة الموارد والموازنات وغيرها من قائمة الأعذار الطويلة التي لا تنتهي، حتى الحجر والشجر لم يسلم من الاتهام، ولا السهل والجبل من البهتان، فيتساءل أحدهم هل كان لها يد في إخفاقات الرياضة؟ وهل كانت هي السبب وراء تأخرها وسقوطها المستمر؟ يتساءل آخر!!

فيتعجب الرياضيون كل العجب أن تكون مجالس الإدارات في الاتحادات الرياضية في سعي مُستمر وتطلع دائم إلى الإنجاز والمنافسة وتحقيق الآمال والأمنيات للرياضة، وفي ذات الوقت هم في هروب ونفور من هذه المعاني والطموحات، فكيف لمن أراد الإنجاز أن لا يخطط له؟ وكيف لمن أراد المنافسة أن لا يعي أبعادها وأصولها وكيف تكون؟ وكيف لمن أراد التقدم والتطور ألا يعتبر بتجارب الآخرين ونجاحاتهم؟ فاعتنوا ببعض الأمر وأهملوا بعضه وتمسكوا بالقشور وتركوا اللب، مثلهم كمثل ذلك الطائر الذي أراد أن يطير بجناح واحدة فما يلبث إلا أن يسقط في كل مرة!!

فقد آن الأوان ليعلم أولئك الذين جعلوا نصب أعينهم مناصب الاتحادات والأندية الرياضية أن صندوق الانتخاب اليوم غيره بالأمس، وأن كثيرًا من الاشتراطات والالتزامات التي كانت تعد في الماضي بمثابة المثالية والعبقرية الخارقة، أصبح لا مكان لها اليوم بين المجتمع الرياضي الشاب، الذي بات يستبشر بكل جديد ويفرح به، ويشمئز من كل قديم لا يتطور ويحتقره، ليس لشيء سوى أنهم حديثو عهد بما جاء به الأقدمون على الرياضة وكيف كانوا مولعين بتقليد من سبقهم، وكيف افتتنوا واستعظموا ما في أيدي غيرهم واستهانوا وسخروا مما في أيديهم، فلم تبارح الرياضة في سلطنتنا العزيزة مكانها ولم تُعانق أحلامها.

فجاء صندوق الانتخاب بحلته الجديدة وشكله الشاب الأنيق، فأقسم ألا يجود على الرياضة إلا بمن هم في سُّمو من الدرجات بالاتفاق، ومن هم في رفعة من الرتب والهمة بالاستحقاق، واستحلفتهم بأن يمضوا من غير التواء ولا عرج، ومن غير تلكؤ ولا تلبث، ولا تلعثم وتمكث، وعاهدتهم بأن يأتوا إليها بما غاب عنها وما فقدته وما انتزع منها وأضاعته، لتعود الأمور من جديد إلى منزعها وتصير إلى حقيقتها، فيقوى عضدها ويعود اسمها ويعلو بعد ذلك ذكرها.

فلا يرضى صندوق الانتخاب هذه المرة إلا أن يكون القدمُ عالي القدم، وأن يكون الهوكي حاملاً للكؤوس متقلداً الرتب، وأن يطوق القوى بالذهب، وأن تجوب الطائرة الآفاق، وتنهض السلة من السبات، وتتخلص التنس من الآهات، وتغوص السباحة في الأعماق عائدة بالخيرات، وتشرق شمس الرياضات الأخرى وينعم بإنجازها الشباب والرياضيون على أرض عُمان العظيمة.

فجاء النداء الأخير لصندوق الانتخاب إلى المترشحين حازماً شديدا، حمل في طياته أملاً وتفاؤلاً كبيراً، ملهماً ومذكراً لهم بأن المجتمعات أصبحت قوية منافسة، يحملون أهدافهم وطموحاتهم على أكتافهم يطلبون لها مجداً وتفوقاً تفخر وتسعد بها أوطانهم، فالأمنيات والرغبات بدون جد وعمل وإخلاص وأمل هي بضاعة الحمقى والمتخاذلين الذين لامكان لهم بيننا، فالرياضة أصبحت اليوم صناعة الرجال ومعترك الأبطال، فمن لم يجابه أقرانه بمثل ما عندهم من الجد والعمل وبما لديهم من الإخلاص والأمل، سيكون لا محالة مصيره إلى الضياع.

أيها المترشحون:

اعلموا أنَّ النجاح والفشل أمران متباينان ومختلفان باختلاف الثقافات وتطور المجتمعات، وكذلك باختلاف الرغبات والهمم والطموحات، فما يعد نجاحاً عظيماً في مجتمع ما، قد يعد ويعتبر من الرذائل والخزي لدى مجتمع آخر، وما يعد من الإنجازات والمعجزات الكبرى في مجتمع ما، قد أصبح فشلاً وتخلفاً ورجوعاً للوراء عند مجتمع آخر.

أيها المترشحون:

اعلموا أنَّ النجاح والفشل ليست أسماء وصفات تطلق على الأشياء بالأهواء والمزاج وبإرادة الأشخاص ومصالحهم، واعلموا أن كل تقدم وتطور توافق وتزامن مع تقدم وتطور الشعوب والمجتمعات والتنافس معها يعد نجاحًا ولو كانت خطوة واحدة للأمام، واعلموا أن عكس ذلك يعد سقوطًا وفشلاً ذريعًا ولو كانت آلاف الخطوات للأمام، فالعبرة بمقارعة الأقوياء لا الضعفاء، والعبرة في التتويج مع الأوائل ومُعانقة القمم لا التنافس على الهروب من القاع.

فيتساءل الجميع في المجتمع الرياضي هل أدرك هؤلاء الذين أرادوا الترشح لإدارات الاتحادات والأندية الرياضية بعضاً من هذه الأبعاد، وهل أمعنوا النظر والتفكير في هذا الحمل الثقيل الذي أرادوا أن يضعوه على أكتافهم ورضوا أن يحملوا الأمانة على عاتقهم؟ وهل تلمسوا في المُقابل ما فقدته وخسرته الرياضة العمانية طوال السنين والعقود الماضية من الفرص الكبيرة، لتنافس أقرانها الذين سبقوها وأصبح بينهم وبينها بعد المُشرقين في الإمكانات والإنجازات؟ وهل سيحقق المترشحون لهذه الفترة بعضاً من وعودهم ويأتوا بالريمونتادا للمجتمع الرياضي من جديد؟

وفي الأخير يجب أن يعلم جميع المترشحين للمناصب في المؤسسات الرياضية، سواءً في الاتحادات أو الأندية أو من يندرجون في قرارات تشكيل اللجان الرياضية وغيرها، أن الموجود في ميادين الرياضة ومضمارها غير الموجود في المكاتب المخملية والكراسي المذهبة، وغير الذي  يُتفاخر به من امتيازات المناصب وغرورها، وأن إلقاء الكلمات والخطب المحفزة والوعود المنمقة في اللقاءات والاجتماعات أصبح ضرباً من ضروب حكايات ألف ليلة وليلة والروايات القديمة التي قد انقضى عهدها وولى، فليأخذوا حذرهم من ذلك جيدًا  لكي لا يكون المجتمع الرياضي ناقماً عليهم من جديد كما نقم على الذين من قبلهم، فتنكشف بعد ذلك السوءات وتبين العورات.. فوا أسفا على أيامها وعهودها!!

تعليق عبر الفيس بوك