لا ولاية على المرأة (2)

 

الإسلام ليس سجانًا للمرأة

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

 

تُؤدي المرأة القطرية والخليجية عامة دوراً بارزاً في المُجتمع الخليجي وتُشارك في كافة المجالات التنموية، تخدم وطنها بهمة واقتدار، تمارس حقوقها المدنية والسياسية بفعالية، تقلدت مناصب قيادية، صارت وزيرة ومديرة وعميدة وقاضية ومحامية وطبيبة وسفيرة، تغير المجتمع الخليجي وأصبح يتقبل مشاركة المرأة في الحياة العامة ويُقدر جهدها.

لكن المُشرِّع الخليجي لم يتغير، لا يزال أسيراً لأقوال الفقهاء السابقين قبل 1000 عام فيما يتعلق بنظرته للمرأة وبحقوقها في الزواج والطلاق والحضانة والعمل والسفر وحقوقها الأخرى، خضوعاً لموروثات فقهية مرتكزها أعراف اجتماعية هيمنت على المُجتمعات الخليجية في الماضي، وكانت المرأة حبيسة منزلها، جاهلة بأمور مجتمعها،لا مشاركة اجتماعية لها.

نحن نقدر اجتهادات فقهائنا العظام- رحمهم الله- ونبجل جهودهم، لكننا نعتقد أنَّها ناسبت مجتمعات الماضي حين كانت المرأة كائناً غير مشارك في البناء والتنمية والإنتاج، والفقيه في النهاية ابن عصره، واجتهاده مهما عظم فإنِّه لا يخلص من تأثير أعراف مجتمعه وزمنه وثقافة بيئته.

نعم اجتهادات فقهائنا وتنظيراتهم لوضعية المرأة ودورها في الحياة العامة لها كل التقدير والاحترام، لكنها محكومة بإطارها الاجتماعي وليست لها صفتا الإطلاق والتعميم المتجاوزتان للزمان والمكان. قد يقال: إنَّ هذه الاجتهادات مستمدة من النص الديني وليست مجرد آراء بشرية، والجواب: أن ذلك لا يُعطيها صفتي التعميم والإطلاق المتجاوزين لعصرها ومجتمعها، لأنها في النهاية مجرد قراءة بشرية أو فهم بشر لنص ديني، ونحن اليوم أبناء عصرنا ومجتمعنا، وحلول الماضي قد لا تتناسب وقضايا مجتمعاتنا المعاصرة، ومن حقنا أن نقرأ ونفهم ذلك النص الديني فهماً يتوافق ووضعية المرأة اليوم، ويتلاءم مع روح العصر وقيمه، ويتسق والمواثيق الحقوقية الدولية التي صادقت عليها دولنا والتزمت بها، وكل ذلك في إطار الثوابت الدينية.

يدُ الماضي ما زالت قبضتها قوية وثقيلة على المشرع القطري والخليجي والعربي عامة في نظرته للمرأة كإنسانة أولاً، وكمواطنة لها كافة حقوق المواطن ثانياً، ولا أدل من حرمانها من حق تجنيس أطفالها، وهو حق طبيعي تُمارسه أمهات العالم كافةً.

ما يزال مُشرعنا يتبنى نظرة قوامها إعلاء الرجل والانتقاص من أهلية المرأة في الولاية على نفسها وفي كافة القضايا المتعلقة بالأسرة: الزواج والطلاق والنفقة!

يعلل الفقه والقانون النفقة الزوجية بأنها: مقابل احتباس المرأة في البيت! هذه نظرة متخلفة عن عصرها، مجتمعاتنا تجاوزتها، والإسلام لا يعرف احتباس المرأة، الإسلام ليس سجاناً للنساء!

يعرّفون عقد الزواج بأنَّه: عقد يمتلك به الرجل بضع امرأة! ودفع المهر بأنه: مقابل الاستمتاع بالأنثى!

هذه تعريفات جنسية ساقطة تنحدر من أعراف مُجتمع جاهلي كان الرجل يتملك فيه الأنثى إما بالزواج أو بالسبي، لكنها حتماً تخالف المفهوم القرآني للزواج الذي وصفه بالميثاق الغليظ وبالسكن النفسي المُتبادل والقائم على العشرة بالمعروف والمودة والرحمة والإحسان بين الزوجين بما يهيئ المحضن التربوي الصالح للتنشئة السوية والآمنة.

المهر ليس ثمناً للمرأة، وليس مُقابل الاستمتاع، وليس لأجل الاحتباس، وإنما هو هدية تكريم وتقدير ومودة من الزوج لزوجته.

لله در الشيخ محمد الغزالي حين رفض هذه التعريفات قائلاً: المجتمع الوضيع هو الذي يفهم الزواج على أنَّه عقد انتفاع بجسد، أو يعرفه بأنَّه امتلاك بضع بثمن، أين الود والتراحم والشرف والوفاء؟!

ينعى الشيخ الغزالي على الفقهاء تحاملهم على المرأة خضوعًا لأعراف وتقاليد مناقضة لتعاليم الإسلام، فيقول رحمه الله تعالى ساخراً: "إنَّ الصورة التي حُسبت إسلاماً وما هي بإسلام، أنَّ المرأة كائن ناقص متهم، يُحبس في البيت محروماً من العلم والارتقاء ومن كل نشاط اجتماعي أو سياسي، لا ترى أحداً ولا يراها أحدٌ، لا يسمح لها بعمل جاد، لا يسمع شهادتها في الدماء والأعراض ولا تقبل لها ولاية في أمر من الأمور".

إننا بحاجة إلى رؤية مُعاصرة إلى الأحكام المُتعلقة بالأسرة كافة وبمفهوم (الولاية على المرأة) خاصة، سواء على المستوى الفقهي أوالقانوني، فمعظم الأحكام الفقية والقانونية المتعلقة بالمرأة مرتبطة بسياقها الاجتماعي الذي لم يكن للمرأة فيه أي إسهام في خطط التنمية والتعليم وتطوير المجتمع.

** كاتب قطري، عميد كلية الشريعة سابقاً