مدرين المكتومية
ثمَّة نظرة تقليدية- أو لنقل تصوُّر نمطي مُسبق- بأن المرأة "كائن عاطفي"، تتأثر سريعاً بكل الأحداث والمتغيرات من حولها، ودائمًا ما ترتبط قراراتها ارتباطًا تامًا بما يختلجها من مشاعر وعاطفة تجاه الموقف أو اللحظة التي تعيشها.. فهل ذلك صحيح؟!
دعونا نتحلى بمزيد من الإنصاف؛ فالقاعدة الأساسية تؤكد أن المرأة ليست كالرجل، فهي عندما تشعر بالحزن والألم والانهيار- أحيانًا- لا تُقرر الهرب؛ بل على العكس تواجه انكساراتها ومشاكلها بالتعبير عنها والبحث عن من يسمعها، دائمًا تبحث عن طرف آخر ينصت إلى حديثها، يُمعن فيما تبوح به من آلام تعتصر قلبها، وضغوط تكاد تنفجر في داخلها، وذلك على عكس الرجل الانهزامي الذي يستسهل الفرار والتخفي، فطبيعته تنزع إلى الانزواء، بعيدًا عن أي أحد يمكن أن يرى انكساراته وحطامه، وهذا بالتحديد ما يمكننا أن نبني عليه فرضية أن المرأة أقوى من الرجل.
أؤمن بشدة بأنَّ المرأة تملك من قوة التحمل والصبر ما يفوق الرجل بمراحل، لا أقول ذلك من منطلق كوني امرأة أدافع عن نفسي وعن قريناتي، لكن أصرح بذلك بكل تجرد؛ فالمرأة تستطيع العيش وفق ما يُمليه عليه عقلها لا قلبها، أما ما يطلبه منها قلبها فهي قادرة على دراسة ذلك من جوانب مختلفة، عكس البعض من الرجال الذين دائماً ما تكون لديهم نظرة محدودة وضيقة ودائماً ما تكون أحكامهم سريعة ولحظية وانفعالية.
بالطبع لا ينطبق هذا الأمر على جميع الرجال ولا على جميع النساء أيضًا، لكن أتحدث هنا عن السمة الغالبة لدى الجنسين، فأكثر الرجال يعيشون حياتهم تحت وهم كلمة "رجل"- بدلالاتها الذكورية والمجتمعية- لكن فعلياً قد يكون- عند اتخاذ قراراته المصيرية- أضعف من امرأة وجدت نفسها وحيدة في مفترق طرق، وعندما تأتي لحظات الجد يلجأ إلى الهروب من مسؤولياته ويتنصل منها، ليس لأنه يريد ذلك؛ بل لأنه من الأساس لا يملك ما تملكه المرأة من طاقة لتجاوز التحديات. وعندما أتحدث عن المرأة، فلا بُد وأن أنصف البعض منهن على الأقل، خاصة المرأة في هذا الزمن، المرأة التي تحمل على عاتقها كل شيء، وتمتلك قدرة إدارة حياتها ولربما إدارة شؤون منزل بأكمله، إنها المرأة القوية العقلانية، القادرة على تجاوز الرجل والتفوق عليه.
سمعتُ الكثير من القصص ورأيت أكثرها بعيني عن نساء عانين الكثير في حياتهن، فتلك امرأة تعمل ليل نهار، وتعود لمنزلها لتولي مهام الأمومة، تُعلّم أبناءها وتدير شؤون المنزل كاملة دون تذمُر، بل بكل حب.. هنا أتساءل أليست هذه المرأة قوية؟ أليست عقلانية؟ حتى قراراتها تنبع من كونها تعيش تجربتها وتجارب الآخرين، وبالتالي لديها قدرة على معرفة ما ستؤول إليه الأمور، وتعرف كيف تتحكم في مشاعرها كافة في اللحظات التي تتطلب أن تكون فيها قوية وصارمة، أو أن تكون لينة سهلة مطيعة. المرأة عاطفية لأنها تربي أبناءها، لأنها تخاف عليهم، وتلك العاطفة وضعت بداخلها لتستطيع من خلالها التعايش تحت كافة الظروف ولتكون قادرة على أن تتعامل مع كافة المواقف والأحداث، ولتُعطي كل شيء بحب؛ فما يُقدم بحب، يستقبله الآخر بكل الحب.
قد لا أتفق تمامًا مع عاطفية المرأة؛ لكني أتفق أنها مصنوعة من العاطفة، والذي صنع فيها هذه العاطفة وأبدعها، قادر- جلَّ في علاه- على أن يمنحها القدرة على التعامل مع هذا الضعف البشري- إن جاز التعبير كما يرى البعض- رغم أني لا أجده كذلك، فالعاطفة هنا مصدر قوة لا وَهَن.
وأخيرًا.. المرأة تُقدم كل شيء بسخاء وحب حدوده السماء، لكنها في اللحظة التي تجد فيها نفسها قد قدمت لمن لا يستحق، أو أن شعورها الحدسي يربكها ويملي عليها أن ترتكب خطأً فادحًا، عندئذٍ تضرب بكل مشاعرها عرض الحائط، ولا يظهر منها سوى الشراسة والقوة، فتتخلى عن كل شيء بالبتر، واللاعودة، ولا يعنيها في ذلك إن كان الطرف المبتور على مستوى العمل أو الحياة الشخصية أو الأصدقاء، أو حتى مُحيط أسرتها! فهل يفهم الآخرون ذلك؟! أتمنى..