المديرون وكراسيهم إلى أين؟

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

ماذا تريد أن تعمل عندما تكبر؟ سؤال سمعناه كثيراً ونحن صغار، وكان جواب البعض: أريد أن أكون طبيباً أو مهندساً أو معلماً أو شرطياً، ولكن ما لم يتمناه الكثير منِّا هو أن يصبح مديراً في الطب أو المدرسة أو المستشفى أو الوزارة، ربما لأننا لم ندرك في طفولتنا عظم مهنة المدير وما يواجهه من متاعب ومصائب، ليس فقط في عمله وإنما حتى في حياته الاجتماعية.

مما لا يختلف عليه اثنان أنَّ المدير يعتبر القدوة والأسوة في عمله ومجتمعه، خصوصاً إذا ذاع صيته وبرز نجمه وصار كالنجم اللامع بين النَّاس، حينها تجده لا يستطيع دخول الأماكن العامة كالمطاعم والمقاهي، بل ولا يستطيع الأكل فيها كما يشاء ويحب، فالجميع يراقبون حركاته وسكناته، فتراه دائماً مختلفاً عن بقية الناس الذين يأكلون أمام الجميع بسعادة وشغف، بينما هو يعيش الكثير من المضايقات، ذلك أن عمله حساس جداً وشهرته تجعله حذراً بشكل دائم .

إنَّ مهنة المدير مهنة عظيمة جداً في الواقع الاجتماعي، إلى جانب تمتعه بالعديد من المميزات، التي تجعله مختلفاً عن الجميع، والتي قد يكون أبسطها أعفاؤه عن التوقيع كل صباح في دفتر الحضور والانصراف، أو الضغط على البصمة، وهنا أتعجب لماذا لا يبصم المديرون والمسؤولون وأصحاب المناصب بصمة الحضور والانصراف حالهم حال بقية الموظفين من المواطنين؟

أليس الجميع هنا على تراب هذا الوطن يعمل بجد واجتهاد، ويستلم راتبه من الدولة عند نهاية كل شهر؟

الأهم من كل ذلك، على المديرين وأهل المناصب والمراتب العليا في الوطن العزيز أن يعلموا جيدا أنهم قد يكونون معفيين من التوقيع على دفتر الحضور والانصراف أو الضغط على البصمة، ولكنهم غير معفيين عن التوقيع بأخلاقهم وتواضعهم وسمعتهم الطيبة في عقول الموظفين الذين يعملون تحت سلطتهم وإدارتهم، ليستطيعوا إنتاج العمل بنجاح وازدهار وتفوق وإبداع، وهذا لا يعني ألا وجود للمديرين المخلصين فهناك من المديرين الذين يجدون ويجتهدون في عملهم ويتواضعون للجميع، ولكن العجب كل العجب من بعض المديرين الذين يجلسون في مكاتبهم الأنيقة وكراسيهم المستديرة وهم ينتظرون فقط التقارير التي تأتيهم من هنا وهناك ليوقعوها بدون معرفة الحيثيات والإمكانيات التي يحتاج إليها موقع العمل في خدمة الناس، معتمدين فقط على سماع بعض المسؤولين الذين هم أقل منهم درجة ووظيفة، وهذا بكل تأكيد مما يؤخر ازدهار البلاد والعباد، لذا ينبغي على المدير المسؤول في عمله، أن يمارس مهنة الصحفي الناجح المبادر والمثابر والمخلص، عليه أن يستغني عن كرسيه المستدير، وهواء مكتبه البارد العليل، ويحرم نفسه قليلاً من شاي الكرك العربي الأصيل، ليستطيع الانطلاق إلى ميادين العمل لمتابعة المشاكل والنواقص في جولات تفقدية، ليطمئن على سير العمل بانتظام.

عندما يمارس المدير مهنة الصحفي الناجح في مقر عمله يستطيع تشخيص المشاكل وعلاجها بسهولة، بل ويستطيع الاستغناء عن التقارير الكاذبة التي توضع على مكتبه الأنيق كل صباح لتخبره بأنَّ كل شيء بخير، وكل شيء يسير على أحسن ما يكون والواقع مختلف تمامًا.

أيها المدير عليك أن تعمل بإخلاص ووفاء وجد واجتهاد، فأنت لم توضع على الكرسي المستدير والمكتب الواسع الكبير، للراحة والأناقة والتفاخر والتباهي والتقاط الصور وإعلانها عبر الإعلام، بل منحت الكرسي المستدير والمنصب الكبير لتكون خادمًا لجميع الناس، مقدماً لهم أفضل وأحسن وأرقى وأجمل الخدمات التي يحتاجون إليها، عليك أن تحضر إلى مواقع العمل قبل الجميع لتكون القدوة والأسوة الحسنة لمن هم دونك درجة، عليك أن تتواضع للموظفين الذين يعملون تحت إدارتك، استمع لهم باحترام وتقدير وإجلال، لا تقاطعهم أبدًا، حفزهم لإنجاز عملهم، أجلس معهم جلسة الأخ لأخيه، والصاحب لصاحبه، اشرب القهوة والشاي معهم في وقت استراحتهم، اكسب قلوبهم بحسن أخلاقك وجمال تفكيرك، حسسهم باهتمامك، قل لهم بين فترة وأخرى أنا لست الأهم هنا بينكم، وإنما أنا أكثركم مسؤولية في موقع العمل فأعينوني بالجد والاجتهاد والإنجاز، بادرهم بسؤالهم عمَّا يحتاجون إليه لتسهيل إنجاز عملهم، كافئهم بالكلمة الطيبة والهدايا المتواضعة التي ترفع بها معنوياتهم وتقوي طاقاتهم وتمنحهم بذلك الكثير من الجد والاجتهاد والإخلاص وإتقان العمل، قال نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَه).

إن إتقان العمل من جهة المدير وأصحاب المناصب والموظفين يجعل منهم أصحاب أثر عظيم في المحيط الاجتماعي الذي يعيشون فيه وهذا ما يريده ويطلبه منهم الوطن..

قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) صدق الله العلي العظيم.

وقال الشاعر الكبير أحمد شوقي:

أيُّها العمال، أفنُوا الْعُمْر كدًّا واكتسابَا

واعمُروا الأرض فلولا سعيُكمْ أمستْ يَبَابَا

أتقِنوا يُحببْكمُ اللهُ ويرفعْكمْ جنابَا

إن للمتقنِ عند اللهِ والناسِ الثوابَا.