قواعد العدالة والقانون الطبيعي

د. مصطفى راتب

يمكن تعريف مبادئ العدالة بأنها تلك القواعد القائمة إلى جانب قواعد القانون الوضعي مؤسسة على وحي العقل والنظر السليم وروح العدل الطبيعي بين الناس، والتي ترمي إلى تعديل قواعد القانون أو الحلول في مكانها، بفضل ما فيها من القوة المعنوية المستمدة من سمو مبادئها .

وتتميز العدالة بأن قوتها لا تستند إلى هيئة حاكمة أو سلطة تشريعية وإنما تستند إلى طبيعة مبادئها وإلى سلامتها من حيث اتفاقها مع العقل والعدل والأخلاق وهي بوجه عام روح القوانين في نصوصها وفي مضمونها أو هكذا ينبغي أن تكون، ومن ثم فإنِّه يتعين على القاضي أن يتوخاها ويعمل على تحقيقها إذا وضح النص التشريعي، وعليه أن يستلهمها فيما لو افتقد النص أو شابه الغموض حتى أٌشكل عليه؛ لأن مهمة القاضي هي توطيد العدالة بتطبيق القانون القائم تطبيقا عادلا بين الناس بغض النظر عن رأيه الخاص في النظام القائم ما دام القانون المطبق يتفق مع ذلك النظام ومع حاجات المجتمع. الواقع أن هناك صلة بين العدالة والأخلاق. فلقد كانت الأخلاق عند أرسطو متضمنة لأربعة فضائل؛ هي: الأمانة والشجاعة والعدل والحذر، غير أنَّ فضيلة واحدة من تلك الفضائل كانت تحتوي تلك الفضائل، وتعتبر هذا السبب مرادفاً للأخلاق، وهي فضيلة العدالة. العدل إذن يشمل كل الفضائل؛ وهو الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الدولة لتحقيق الغاية منها وهي الخير العام للمجموع والخير الخاص لكل فرد.

والقوانين وهي الحارسة على النظم القائمة في المجتمع، لا بُد لها من التزام العدل والا تقطعت أواصر المجتمع وانهارت أركانه، ولهذا نجد أن ثمة كثيرا من المبادئ القانونية مشتركة بين تشريعات الدول المختلفة، والسبب في ذلك هو أن الذي أن الذي يجب هو شعور مشترك في الضمير الإنساني حيثما كان؛ فالعدل هو القانون توضع على أساسه القوانين الوضعية الصادرة عن الطبيعية والعدل هو الأساس الذي تستمد منه هذه القوانين قوتها الإلزامية.

ومبدأ العدالة يعد مبدأً مهمًا مشتركا بين البشر كافة ما دامت لهم ضمائر حرة واعية تتحراه في ظل النظم القائمة فيما بينها وإن اختلفت في مضمونها؛ لأن لها ظروفها وأوضاعها الخاصة. والقوانين إنما وضعت لتنظيم المجتمعات بالأسلوب الذي ارتضته وأقرته.

والعدل عند أرسطو هو المساواة. وقد ميز هذا الفيلسوف بين صورتين للعدل؛ العدل التبادلي والعدل التوزيعي. فالعدل التبادلي هو الذي يحكم العلاقات بين أفراد المجتمع سواء كانت هذه العلاقات، علاقات إرادية العقد أو غير إرادية كالعمل غير المشروع. والعدل التبادلي يقوم على أساس المساواة الحسابية المطلقة بین الأفراد، فإذا تسبب عمل أو تصرف في خسارة مادية أو معنوية لشخص من الأشخاص، فإنَّ العدل التبادلي يقتضي أن يقوم الشخص الذي تسبب في الخسارة أو استفاد منها بأن يرد للطرف الآخر ما يعادل هذه الخسارة بحيث يصبح كل من الشخصين بعد حدوث هذا التصرف في نفس المركز الذي كان عليه من قبل. أما العدل التوزيعي فهو خاص بتوزيع الثروات والمزايا المتاحة في المجتمع على أفراده. والمساواة التي تحكم العدل التوزیعی لیست مساواة حسابية مطلقة وإنما هی مساواة تناسبية . ويقع على عاتق المشرع عبء تحقيق العدالة في التوزيع، ولكي يكون المشرع قادرا على القيام بهذه المهمة يجب أن يكون مستوحيا العدل في عمله أما إذا كان التشريع هو مجرد تعبير عن سيطرة طبقة معينة سواء كانت هي طبقة الأغنياء أو طبقة البورلیتاریا، فإن العدل التوزيعي يصبح مستحيل التحقيق.

أما القانون الطبيعى وفي تعريف مبسط، هو مجموع القواعد التي تحكم السلوك الاجتماعى للإنسان، والتي لا تمت بصلة إلى التقاليد والعادات أو نصوص التشريع وإنما مصدرها الإلهام الفطري السليم والإدراك العقلي للمصائب، فهو قانون ثابت لا يتغير في الزمان ولا في المكان، يستطيع الإنسان أن يكشف عنه بالعقل السليم، وهو بهذا يتميز بخاصية فريدة، إذ إن الإنسان يمتاز عن سائر الكائنات بالعقل والتفكير، في حين تحكم الغرائز الكائنات الحية الأخرى، فالعقل هو الفيصل بين قانون الطبيعة وبين القانون الطبيعي الذي يحكم العلاقات الإنسانية.