طرق إثبات الحق قانوناً

 

د. مصطفى راتب

أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية

 

هناك عدة طرق لإثبات الحق، أولها الكتابة؛ وهذه هي الوسيلة الأولى للإثبات؛ حيث يجب الالتجاء إلى الكتابة لإثبات التصرف القانوني الذي تزيد قيمته على ألف ريال عُماني، وذلك وفقاً لنص المادة 41 من قانون الإثبات العُماني التي تنص على أنه "في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على ألف ريال أو كان غير محدد القيمة، فلا تجوز شهادة الشهود في إثباته أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك". كما يجب الإثبات الكتابي حتى ولو لم تزد قيمة التصرف عن الحدود المتقدمة وذلك فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي.

والكتابة تثبت في محررات، وتنقسم هذه المحررات إلى محررات رسمية وأخرى عرفية.

أما المحررات الرسمية، فهي تلك التي يُثبت فيها موظف عام أو شخص مُكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية، وفي حدود سلطته واختصاصه.

ولكي يعتبر المُحرر محرراً رسمياً يجب أن يقوم بتحريره موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة، وأن يكون هذا الشخص مختصاً في الموضوع وفي المكان بتحرير هذه الورقة، وأن يراعي هذا الموظف الأوضاع القانونية في تحرير الورقة.

فإذا توافرت هذه الشروط في ورقة ما اعتبرت هذه الورقة مُحرراً رسمياً ويكون المحرر الرسمي عندئذ حجة على الكافة، بما دون فيه من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو ما صدر من ذوي الشأن في حضوره، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً فدحض قيمة المحرر الرسمي لا يتم إلا بإثبات تزويره طبقاً لما يقضي به القانون.

وهناك المحررات العرفية، والمحرر العرفي هو ورقة موقع عليها ممن صدرت عنه، فالمهم هو أن تحمل الورقة توقيع من صدرت منه ولا يشترط في كتابة هذه الورقة أن تكون مكتوبة بطريقة معينة أو بأسلوب معين أو في شكل معين. ويعتبر المحرر العرفي صادراً ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة، فإذا تم هذا الإنكار كان على الشخص الآخر أن يُثبت صدور هذا المحرر ممن وقعه.

الوسيلة الثانية لإثبات الحق هي البينة أو شهادة الشهود، ويلجأ إلى البينة أو شهادة الشهود لإثبات الحق في المواد التجارية، وفي شأن الأعمال المادية وكذلك في نطاق التصرفات القانونية إذا قلت قيمتها عن ألف ريال عُماني. وعلى ذلك لا يجوز الإثبات بالبينة في التصرفات التي تزيد عن هذه القيمة، وكذلك لا يجوز الإثبات بالبينة فيخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي (م38 من قانون الإثبات العُماني). ومع ذلك فقد أورد المشرع بعض الاستثناءات على هذه القاعدة الأخيرة حيث أجاز فيها الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة وهذه الاستثناءات هي (م43 من قانون الإثبات العماني): إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة أي عند وجود دليل كتابي ناقص، وإذا وجد مانع أدبي أو مادي يحول دون الحصول أصلاً على دليل كتابي، وإذا فقد الدائن سنده الكتابي بسبب أجنبي لا يد له فيه، بعد أن كان بيده هذا السند.

الوسيلة الثالثة لإثبات الحق هي القرائن القضائية، والقرينة هي استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة (م54 من قانون الإثبات العُماني)، وقد يقوم المشرع بهذا الاستنباط وينص عليه القانون، فتكون القرينة قانونية، وأما أن يقوم القاضي بهذا العمل ويستنبط القرينة من ظروف الدعوى وأحوالها، فتسمى عندئذ القرينة بالقرينة القضائية وقد رأينا أن القرينة طالما استنبطها المشرع بشكل عام بجرد، فلا تعد في الحقيقة دليلاً من أدلة الإثبات، وإنما هي طريق يعفي من هذا الإثبات. أما القرينة القضائية فأمرها موكول للقاضي يستخلصها من ظروف كل دعوى وله الحرية في هذا الاستنباط بلا معقب عليه من المحكمة العليا.

وتقبل القرائن القضائية في الإثبات في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالبينة. فكلاها من درجة واحدة من حيث قوة الإثبات. ومن أمثلة القرائن القضائية أن يعتبر القاضي صلة القرابة بين البائع والمشتري قرينة قضائية على صورية هذا البيع.

والوسيلة الرابعة لإثبات الحق تتمثل في الإقرار، وهو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مُدعي بها عليه؛ وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة (م57 من قانون الإثبات العماني). ويعد الإقرار حجة قاطعة على المقر، فإذا حدث وأقر الخصم، بالواقعة فتعد الواقعة ثابتة في مواجهة المُقر، فلا يجوز له أن يثبت عكسها أو أن يعدل عن هذ الإقرار ويلاحظ أن الإقرار لا يتجزأ على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى.

أما اليمين، فهي الوسيلة الخامسة لإثبات الحق، وتتمثل في أن يحلف الخصم على صدق قوله متخذاً الله شاهداً على ذلك. وتنقسم اليمين إلى يمين متممة يوجهها القاضي إلى أحد الخصمين يستكمل بها أدلته، ويمين يوجهها الخصم إلى خصمه عندما لا يجد دليلاً على إثبات الحق، حتى يحسم بها النزاع، وتلك هي اليمين الحاسمة (م67 من قانون الإثبات العماني).

واليمين التي تعد دليلاً هي اليمين الحاسمة. فيجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر. على أنه يجوز للقاضي أن يمنع توجيه اليمين إذا كان الخصم متعسفاً في توجيهها. ولمن وجهت إليه اليمين أن يختار بين أن يحلف اليمين أو يردها على خصمه الذي وجهها. فإذا حلف الخصم انحسم النزاع نهائياً وخسر الخصم الذي وجه اليمين، أما إذا ردها على خصمه، فإما أن يحلف هذا الخصم أو لا يحلف حيث لا يجوز له ردها. فإذا حلف كسب دعواه، أما إذا امتنع عن الحلف خسر هذه الدعوى.

واليمين المتممة إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه رغبة منه في تحري الحقيقة ليستكمل به دليلاً ناقصاً في الدعوى دون أن تحسم النزاع، وإنما فقط استكمال قناعة القضاء عندما تكون الأدلة غير كافية، حتى يأتي حكمه متفقاً مع الحقيقة (م77 من قانون الإثبات العماني).

وهناك المعاينة، وهي أن على المحكمة إذا رأت محلا لذلك من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تقرر الانتقال لمعاينة المتنازع فيه، أو تندب أحد قضاتها لذلك ويحرر القاضي محضراً يبين فيه جميع الأعمال المتعلقة بالمعاينة وإلا كان العمل باطلاً. والمعاينة تتسع للعقار والمنقول ولكل ما يقع عليه النزاع يظن أن تكون معاينته مجدية أي تفيد في الكشف عن الحقيقة. كما يُلاحظ أن كل ما يثبت للمحكمة بالمعاينة يُعد دليلا قائماً في الدعوى يتحتم عليها أن تقول كلمتها فيه (م80 من قانون الإثبات العُماني).