العدالة والمساواة تجسدان الأمن الاجتماعي والاستقرار الوطني

علي العايل

يطمح المجتمع العُماني إلى بناء منظومة استقرار متكاملة تشمل الجوانب الأمنية، والنفسية، والاقتصادية، بما يعزز من تماسكه الداخلي، ويقيه من الانقسام والتفكك الاجتماعي، ويحفظ وحدته الوطنية من التآكل. ويتحقق هذا الطموح من خلال رؤية شاملة تتبناها الدولة، تقوم على ركائز العدالة الاجتماعية، وترسيخ مفهوم المواطنة الحقة، وصون الكرامة الإنسانية، ونبذ كل أشكال التفرقة القبلية أو العرقية أو الطبقية، التي تهدد أواصر التعايش المجتمعي.

إن ترسيخ الانتماء الوطني يبدأ ببناء عقد اجتماعي عادل، يشعر فيه المواطن أنه جزء لا يتجزأ من نسيج الدولة، له حقوق متساوية، وعليه واجبات متكاملة. وتأتي العدالة الاجتماعية في صدارة هذا البناء، فهي الكفيلة بردم الفجوات بين الفئات المختلفة، وتوفير فرص متكافئة للجميع دون محسوبية أو فساد.

كما إن التنمية البشرية تُشكّل محورًا رئيسيًا في أي مسار نحو الاستقرار. ومن هنا، فإن رعاية النشء والشباب، وتنمية مواهبهم، وفتح آفاق التعليم والتدريب لهم، وتوفير بيئة عمل قائمة على الشفافية وتكافؤ الفرص، تُعد من أولويات المرحلة المقبلة.

أما الاستقرار النفسي، فلا ينفصل عن الشعور بالأمان في وطن يصون كرامة مواطنيه، ويضمن لهم سبل العيش الكريم، ويحتضنهم جميعًا على اختلاف خلفياتهم. وهذا يتطلب سياسات اجتماعية واقتصادية عادلة، تستند إلى القيم العُمانية الأصيلة، التي قامت على الاحترام والتكافل والتعايش السلمي.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، فإن على الجهات الأمنية والرقابية أن تتبنى سياسة الانفتاح، والاستماع لكل رأي بنّاء يهدف إلى تصحيح بعض الظواهر السلبية. فالمواطن الذي ينتقد، إنما يفعل ذلك بدافع وطني، وحرصٍ منه على ألّا يرى في وطنه ما يعكّر صفو المجتمع أو يهدد أمنه واستقراره. لذا، لا بد من فسح المجال لحرية الرأي والرأي الآخر، وتشجيع النقد الموضوعي المسؤول، والاستعانة بالطاقات الوطنية التي تسعى إلى الإصلاح وتصويب السياسات العامة.

وفي هذا السياق، من الضروري أن يُفسح المجال للأقلام الغيورة على هذا الوطن، للتعبير عن الظواهر السلبية التي تهدد بنية المجتمع، والتي يراها الكُتّاب من زاوية ثقافتهم ووعيهم وبعد نظرهم. فحرية الرأي ليست ترفًا، بل حقٌّ يكفله النظام الأساسي للدولة، وهي من أدوات الإصلاح والتصحيح. أما سياسة تكميم الأفواه وكبح الأقلام الناقدة، فلم تعد مجدية في زمن تسعى فيه الشعوب إلى بناء أوطان خالية من الفساد واستغلال النفوذ والسلطة، أو من مظاهر التسيب الإداري والتمييز المؤسسي.

وفي هذا الإطار، يبرز الدور الحيوي لمنظمات المجتمع المدني، التي ينبغي تمكينها ومنحها مساحة كافية من الحرية، لتكون شريكًا حقيقيًا للدولة، وسندًا فعّالًا للسلطة التنفيذية. فهذه المنظمات، بحكم قربها من المواطن، تمثل صلة الوصل بين المجتمع المحلي وأجهزة الدولة، وهي الأقدر على التعبير عن احتياجات الناس، واقتراح الحلول الواقعية، وتحقيق التوازن بين متطلبات الحكم الرشيد واحتياجات المجتمع.

إن مستقبل الاستقرار في سلطنة عُمان مرهون بقدرة الدولة على تكريس الوحدة الوطنية، وتوسيع دائرة المشاركة المجتمعية، وتثبيت القيم النبيلة القائمة على المساواة والكرامة، وبناء دولة مؤسسات حقيقية، يكون فيها المواطن محور العملية التنموية، وشريكًا لا تابعًا، في صياغة حاضر وطنه وبناء مستقبله.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة