محمد بن مبارك بن سهيل عكعاك **
في سجل الحراكات البيئية الصادقة، لا تكتب الصفحات بالأرقام فقط، بل تُدوَّن أيضًا بالقلوب التي آمنت، وبالعقول التي فكّرت، وبالأيادي التي امتدت لتزرع وتوثّق وتحمي. وفي هذا السياق، أكتب اليوم عن رجلٍ لا يُعرَّف بمنصبه؛ بل بتاريخ عطائه، وعن أخٍ جمعني به الهمّ البيئي، والاحترام، والأمل المتجدد، إنه الأستاذ علي بن سالم كفيتان، المدير العام للبيئة في محافظة ظفار.
كان أول لقاء جمعني بالأخ علي، في أغسطس من عام 2007، أثناء محاولات تقديم ملف إشهار جمعية للبيئة في ظفار. كنت آنذاك خريجًا جديدًا، أحمل في جعبتي مقترحًا لمبادرة بيئية طموحة، مدعومة من خريجي دفعة الأحياء بكلية التربية في صلالة. كان توجيه المختصين والمهندسين واضحًا: "اذهب إلى مدير دائرة صون الطبيعة، علي كفيتان، فهو يؤمن بأمثال هذه الطموحات، ويبحث عن شباب همّهم بيئتهم".
لم أكن أعرفه حينها، لكن ما سمعته عنه صدّقه اللقاء. رجل يستمع، يُشجّع، لا يُقلّل من الأفكار الصغيرة، ولا يغلق أبوابه أمام الحالمين. لم نكن نعمل سويًا في إطار رسمي، لكن التقاطع الإنساني والفكري كان كافيًا لأن نبدأ رحلة من التلاقي حول همّ بيئي مشترك، رغم انشغال كلٍّ منّا بمسارات حياته بين صلالة ومسقط والبحرين وبريطانيا. بقيت البيئة هي الخيط الواصل بيننا، الحبل الذي لم ينقطع، وإن خفَتَ التواصل.
وفي كل محطة من محطات النضج البيئي في ظفار، يظهر اسم علي كفيتان إما داعمًا، أو محفزًا، أو كاتبًا ومشاركًا برؤية ناقدة ومسؤولة. في ذروة جائحة كورونا، التقينا مجددًا، ليس صدفة هذه المرة، بل بدافع مشترك لإحياء ملف طال انتظاره: إنشاء جمعية تعنى بصون الطبيعة في محافظة ظفار. كنت مع نخبة من أبناء المحافظة المؤمنين بأن البيئة ليست ترفًا؛ بل واجب أجيال.
واليوم، تعمل هذه المبادرة "مبادرة وعي"، على أمل أن يتحقق الإشهار القانوني المنتظر لجمعية صون الطبيعة بمحافظة ظفار، بعد مسيرة طويلة بدأت منذ 2002، وامتدت عبر محاولات عديدة في 2007 و2009 و2020 و2022، بأسماء مختلفة وأهداف ثابتة، قدّمت فيها الأجيال المتعاقبة وقتها، وعمرها (رحم الله من توفى)، وأحلامها، من أجل بيئة أكثر وعيًا وعدالة.
إنَّ هذا المقال ليس فقط تهنئة بمناسبة تعيين الأخ علي كفيتان مديرًا عامًا للبيئة في ظفار، وهو منصب يليق بتاريخه؛ بل هو أيضًا رسالة وفاء لرجل كان دومًا قريبًا من صوت الأرض، ومن نبض المتطوعين. وهو تذكير بأن الحلم البيئي في ظفار ليس وليد لحظة؛ بل ثمرة جهود رجال ونساء خاضوا معارك الأمل والإيمان في سبيل صون هذه الطبيعة الفريدة.
وختامًا.. يبقى السؤال النابض الذي نحمله جميعًا: هل يتحقق هذا الحلم لهذا الجيل وهل تُشهر جمعية صون الطبيعة في محافظة ظفار قريبًا؟
** باحث بيئي