◄ الأسباب النفسية والعاطفية تتفوق على العنف والخيانة!
◄ غياب وضوح الأدوار المالية لكل طرف يؤزِّم العلاقة
◄ السيابي: ضعف الوعي والمسؤولية وراء ارتفاع الطلاق
◄ النظيرية: الجفاف العاطفي وضعف مهارات التواصل يرفعان معدلات الطلاق
◄ أسماء سويد: غياب الحوار الفعّال وتدخل العائلة.. أبرز أسباب انهيار الحياة الزوجية
◄ الكلبانية: وسائل التواصل الاجتماعي غيّرت نظرة النساء للانفصال
الرؤية- سارة العبرية
رغم أنَّ الطلاق إجراء لا حُرمة فيه في الشريعة الإسلامية، إلّا أنَّ تفشّي حالات الطلاق في المجتمع، يدُق ناقوس الخطر من المُهددات التي تجابه الاستقرار الاجتماعي، وتُنذر بعواقب قد لا يُمكن تحملها، وسط تحديات اجتماعية أخرى لا يغفل عنها أحد.
ويُؤكد عدد من المختصين أن ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع العُماني بات ظاهرة مُقلقة تستدعي وقفة جادة، مشيرين إلى أنَّ أسبابها لم تعد تقتصر على العوامل التقليدية؛ بل امتدت لتشمل جوانب نفسية وعاطفية واقتصادية واجتماعية، إلى جانب تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي وتراجع مهارات التواصل بين الأزواج.
وبينّوا- في حديثهم لـ"الرؤية"- أن الحلول تكمن في رفع الوعي الأسري، وتفعيل دور الإرشاد الزواجي، وتطوير التشريعات بما يُواكب المتغيرات الاجتماعية، مؤكدين أن التدخل المبكر يمكن أن ينقذ العديد من العلاقات من الانهيار.
أسباب قانونية
وقال المحامي عبدالعزيز بن محمد السيابي "إن قانون الأحوال الشخصية العُماني يحدد عدة أسباب يمكن لأحد الزوجين الاستناد إليها لطلب الطلاق، منها عدم النفقة؛ إذ نصت المادة (109) على أنَّه يجوز للزوجة طلب التطليق إذا امتنع الزوج عن الإنفاق عليها ولم يثبت إعساره، إضافة إلى الضرر والشقاق؛ حيث أكدت المادة (101) أنَّ لكل من الزوجين طلب التطليق إذا تعذر دوام العشرة بينهما لغياب المودة وحسن المعاشرة، وكذلك العلة، وفق المادة (98) التي تتيح لأحد الزوجين طلب التطليق إذا كان في الطرف الآخر علة عقلية أو عضوية يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية سواء أصيب بها قبل العقد أو بعده.
وأوضح السيابي أنَّ القضايا المرتبطة بالطلاق تشهد ارتفاعًا ملحوظًا تؤكده الإحصاءات؛ حيث سجلت محافظة مسقط وحدها 1161 حالة طلاق للمواطنين في عام 2024 مقارنة بـ 859 حالة في 2023، مشيرًا إلى أنَّ أبرز العوامل وراء ذلك تتمثل في قلة الوعي بالحقوق والواجبات الزوجية، وانعدام المسؤولية، وانعدام الثقة بين الطرفين.
وبيّن أنَّ قانون الأحوال الشخصية يشترط توفر شروط معينة في الحاضن، وأن فقدان أحدها يسقط الحضانة حتى تعود تلك الشروط، مؤكدًا أن النفقة على الأبناء تمثل تحديًا ماليًا كبيرًا على المنفق سواء في تحديدها أو في طرق صرفها، لافتًا إلى أنَّ التطورات الاجتماعية المتسارعة تتطلب مرونة تشريعية لمواكبتها، إذ إنَّ جمود النصوص يحول دون تحقيق الغرض الذي وضعت من أجله.
ودعا السيابي الأزواج إلى تقوى الله في أنفسهم وأبنائهم، وصون ما وصفه الله بالميثاق الغليظ، وألا يجعلوا الطلاق إلا آخر الحلول، مؤكدًا إمكانية تجنب الانفصال عبر وسائل متعددة منها دور القاضي في إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر، وهو ما ساهم في كثير من الحالات في عدول أحد الزوجين عن قرار التطليق وحماية الأسرة من التمزق.
المشاكل الزوجية
من جهتها، أكدت عائشة بنت عامر النظيرية أخصائية نفسية واستشارية علاقات أسرية أنَّ السنوات الأخيرة شهدت تحوّلًا واضحًا في طبيعة المشاكل الزوجية؛ حيث تراجعت الشكاوى التقليدية مثل العنف والخيانة والمشكلات المالية، وبرزت بقوة الأسباب النفسية والعاطفية، وفي مقدمتها الحرمان العاطفي وغياب الاحتواء والتقدير، ما يؤدي إلى فقدان الرابط العاطفي وظهور حالات "الانفصال العاطفي" رغم استمرار الحياة المشتركة.
وأوضحت أنَّ الشعور بالوحدة داخل العلاقة بات ظاهرة متكررة، إلى جانب تأثير القلق والاكتئاب غير المعالج على استقرار الزواج. كما أشارت إلى أنَّ ضعف الصبر والتفهم أصبح أكثر وضوحًا، مستشهدة بحالات تنتهي بالانفصال رغم غياب الإساءة المباشرة، وإنما بسبب الجفاف العاطفي.
وترى النظيرية أن ضعف مهارات التواصل يمثل جذرًا عميقًا للمشكلات؛ إذ يخلط كثير من الأزواج بين التعبير والاتهام، أو بين الإنصات والدفاع، ما يُغلق باب الحوار ويحوّل الخلافات البسيطة إلى أزمات كبرى.
وأضافت أنَّ الضغوط الاقتصادية، مثل البطالة وغلاء المعيشة والديون، تُفاقم التوتر الأسري، خاصة مع غياب وضوح الأدوار المالية، كما حذّرت من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تُغذي المقارنات غير الواقعية وتفتح الباب أمام الخيانات الافتراضية، وصولًا إلى الانهيار الكامل للثقة.
ولفتت إلى وجود فجوة في وعي الشباب المُقبلين على الزواج؛ إذ يُختزل الارتباط في الرومانسية أو التوافق المادي، بينما تُهمل الجوانب النفسية مثل الصبر والمرونة وإدارة الخلاف. وأكدت أن تقليص هذه الفجوة يتطلب مقررات تعليمية حول الذكاء العاطفي، ومبادرات وطنية للتأهيل الزواجي، وخطابًا واقعيًا عبر المؤثرين الاجتماعيين.
التدخل المُبكر
وأشارت النظيرية إلى أنَّ التدخل المبكر في المشكلات الزوجية يحد بشكل ملحوظ من حالات الطلاق، إذ تُظهر الإحصاءات أن النسبة الأكبر في السلطنة تحدث خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج.
ووجهت بتوصيات للأسر منها عدم التسرع في الحكم على أحد الطرفين، واحتضان الأبناء المتزوجين، وتعزيز ثقافة الحوار والمصالحة، وأيضا ربط عقد الزواج بدورة إلزامية للتأهيل، وتفعيل مراكز الاستشارات الأسرية قبل الوصول للمحاكم، وتأهيل أخصائيين نفسيين واجتماعيين للعمل داخل المحاكم الأسرية من جانبها، أكدت أسماء سويد مرشدة أسرية وأخصائية تعديل سلوك في المجال التربوي والزواجي، أن التواصل الصحيح بين الزوجين يمثل الأساس المتين لاستمرار العلاقة الزوجية، موضحة أن وجود لغة مشتركة، وتقبل كل طرف للآخر، والمرونة في التعامل مع تحديات الحياة الجديدة، كلها عناصر ضرورية للتكيف مع متغيرات الزواج.
وقالت "إن غياب الحوار الفعّال يؤدي إلى انفصال عاطفي، وشعور أحد الطرفين أو كليهما بالوحدة، كما أن ضعف القدرة على إدارة الانفعالات وتكرار الجدالات وفتح الملفات القديمة، إلى جانب غياب النضج النفسي والعاطفي، كلها عوامل نفسية تُسرع من انهيار العلاقة".
وأضافت أن المشكلات الاقتصادية تمثل سببًا رئيسيًا آخر؛ إذ يعاني بعض الأزواج من غياب الوعي المالي وعدم القدرة على وضع ميزانية للأسرة، فضلًا عن الأعباء الناتجة عن تكاليف الزواج الباهظة والديون التي تبدأ بها حياتهم المشتركة، مؤكدة "ضرورة الترشيد في طلب المهور".
أنماط الحياة
وعن العوامل الاجتماعية، أوضحت أنَّ السماح بتدخل العائلة من الطرفين في تفاصيل الحياة الزوجية، والفوارق التعليمية أو الثقافية بين الزوجين، من شأنها خلق فجوات في القيم والأهداف، كما حذرت من تأثير أنماط الحياة المبالغ في عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، مُعتبرة أنها تكشف خصوصيات الحياة الزوجية وتخلق صورة وهمية بعيدة عن الواقع المليء بالصراعات.
وأشارت إلى أن نسب الطلاق ارتفعت بين السنة الأولى والثالثة من الزواج، بسبب غياب القناعة بأنَّ "الزواج" يتطلب بذل الجهد للحفاظ عليه، لافتة إلى أن بعض التوجهات النسوية التي تدعو إلى مساواة غير متوازنة ساهمت في تعقيد العلاقة، خاصة حين ترفض الزوجة المساهمة في الأعباء المعيشية رغم عملها، أو تؤجل الإنجاب بدافع الاستقلالية المُطلقة.
وشددت على أنَّ المرأة مهما بلغت من مكانة أو مال أو تعليم، تبقى بحاجة إلى الرجل الذي يمنحها الدعم النفسي والعاطفي والجسدي، مؤكدة في الوقت نفسه أنَّ الإرشاد الأسري لم يعد رفاهية بل ضرورة، خاصة مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الأفكار، وارتفاع معدلات الطلاق.
وفي ما يخص الحلول، دعت إلى تأسيس العلاقة الزوجية على قاعدة إيمانية أساسها مخافة الله، ومعرفة الحقوق والواجبات، إلى جانب امتلاك المهارات اللازمة لبناء زواج واعٍ وواضح الأهداف، كما شددت على أهمية إشاعة ثقافة "الاستمرارية" بدل النظر إلى الطلاق كحل أول، وذلك عبر تطوير العلاقة، وإشباع الاحتياجات، وممارسة التغافل والحكمة للحفاظ على المودة والرحمة بين الطرفين.
السوشال ميديا!
وترى منى بنت خلفان الكلبانية ممثلة وناشطة اجتماعية، تزايد حالات الطلاق في السلطنة مؤخرًا -خلال متابعتها المستمرة لما يُنشر في وسائل الإعلام والملاحظات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي-، مضيفة الواقع اليومي الذي نعيشه يمكن تحديد عدة أسباب تسهم في ارتفاع معدلات الطلاق في سلطنة عُمان، من أبرزها ضعف التفاهم بين الزوجين منذ البدايات الأولى وافتقاد مهارات التواصل والحوار البنّاء، والتسرع في اتخاذ قرار الزواج دون التعرف الكافي على الطرف الآخر أو دون التأكد من وجود توافق حقيقي في القيم والتطلعات، وتدخلات الأهل التي تكون أحيانًا غير موضوعية مما يزيد من تعقيد الخلافات بدلاً من المساهمة في حلها، والشك والغيرة المفرطة وغياب الثقة والاحترام المتبادل مما يؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقة، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة التي تولد بيئة مشحونة بالتوتر داخل البيت، وانتشار الخيانات سواء الواقعية أو عبر العلاقات الإلكترونية في ظل الانفتاح الرقمي وغياب الوعي أو الرقابة الذاتية، وكذلك الزواج التقليدي المفروض دون قناعة أو رضا كامل من الطرفين ما يجعله هشًا وقابلًا للانهيار مع أول اختبار.
وحول تغيّر نظرة المجتمع وخاصة بين النساء تجاه قرار الطلاق وتأثير المنصات الرقمية، أوضحت الكلبانية أنَّ هناك تحولًا ملحوظًا في نظرة المجتمع نحو الطلاق، لا سيما بين الجيل الجديد من النساء؛ إذ بات يُنظر إليه في كثير من الحالات كخيار مسؤول يلجأ إليه أحد الطرفين حين تصبح الحياة الزوجية مرهقة نفسيًا أو غير آمنة.
وأشارت إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أدّت دورًا كبيرًا في هذا التحول؛ إذ أتاحت للنساء مساحة للتعبير عن تجاربهن وساعدت في نشر خطاب يدعو للاستقلالية وتمكين الذات، مما عزَّز الثقة بالنفس لدى كثير من النساء وشجعهن على اتخاذ قرارات مصيرية في الوقت المناسب، لكنها حذَّرت من أن بعض المحتوى المتداول بات يُبسط قرار الانفصال ويضخم التوقعات حول العلاقات ويصور الزواج الناجح على أنه خالٍ من المشاكل، وهو تصور غير واقعي يُضعف من قدرة البعض على التحمل أو إدارة الخلافات.
وتابعت قولها: "رغم وجود عدد من المبادرات والبرامج التوعوية التي تُقدَّر جهود القائمين عليها، سواء من جهات حكومية أو أهلية، إلا أنَّ حجم التحديات الراهنة يتطلب مستوى أعلى من العمل والاستجابة، مُشددة على أهمية التركيز على الجانب الوقائي من خلال إعداد الشباب نفسيًا وفكريًا للحياة الزوجية قبل الإقدام عليها، وتطوير المحتوى التوعوي بحيث يُقدم بلغة واقعية وجذابة تتماشى مع أسلوب تفكير الشباب مع استخدام المنصات الرقمية التي يتفاعلون معها يوميًا، وإدماج مفاهيم الحياة الأسرية والمهارات الاجتماعية في المناهج التعليمية، إضافة إلى توفير مراكز دعم واستشارات زوجية تقدم خدمات نفسية وقانونية بأسعار مقبولة لتكون خيارًا حقيقيًا بديلًا عن الطلاق".
وأضافت الكلبانية في رسالتها للزوجين قبل اتخاذ قرار الطلاق على أي زوجين وصلا إلى مفترق طرق أن يتمهلا قبل اتخاذ القرار؛ فالطلاق ليس خطأً دائمًا لكنه قرار مصيري لا ينبغي التسرع فيه، لأنه لا يمس طرفين فقط؛ بل يطال الأسرة والمجتمع بشكل أوسع، خاصة عندما يكون هناك أطفال، مشيرة إلى أهمية طرح السؤال بصدق: هل يمكن إصلاح الخلاف؟ وهل الطلاق هو فعلاً الحل أم مجرد هروب مؤقت من الواقع؟ وفي حال كان الخيار النهائي هو الانفصال، كيف يُمكن أن يتم بأقل ضرر نفسي واجتماعي ممكن لكل الأطراف؟ مؤكدة أنَّ الزواج لا يعني غياب المشاكل؛ بل يعني وجود شريكين قادرين على مواجهتها معًا بنضج ورحمة، وهذه القدرة هي التي تصنع العلاقة المتينة لا مجرد خلوها من الخلافات.
وبيّنت أنَّ الطلاق في سلطنة عُمان، كما هو الحال في مختلف المجتمعات، ليس مجرد حالة فردية؛ بل مرآة لتحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية يعيشها المجتمع، ورغم أنَّه قد يكون في بعض الأحيان ضرورة لا مفر منها، إلا أنَّ الأساس في بناء أسر قوية يبقى في التوعية المبكرة والتأهيل الجاد وتوفير منظومة دعم قادرة على احتواء الأزمات قبل أن تتفاقم.