خلفان الطوقي
ما إن تُتابع منصَّات التواصل الاجتماعي، أو تَذهَب إلى أيِّ مجلس، إلا وتسمع الانتقادات الحادة لمعظم الخدمات الحكومية، رغم أنَّ جملة "تسهيل الإجراءات" يسمعها الناس منذ بداية نشأة الدولة الحديثة في السلطنة، أي منذ السبعينيات، ويتكرر استخدام هذه الجملة عند كل خطة خمسية، أو عند أي مؤتمر أو خبر صحفي أو ظهور إعلامي.
فهل عدم رضا المتعاملين عن الخدمات الحكومية يعود للمُبالغة في تضخيم الموضوع من المتعاملين أنفسهم، أو أنَّ القوانين والتشريعات هي العائق وراء وجود بعض التعقيدات والتشابك مع جهات أخرى، أو قلة وجود كفاءات بشرية إدارية وفنية وقانونية تستطيع تطوير وتسهيل الإجراءات والممارسات بما يتواكب وسرعة المتغيرات العصرية، أو عدم وجود تشريع وقانون "ممكن" و"واضح" يعاقب الموظف المقصر، الذي لا ينهي معاملة تقدَّم بها مواطن أو مقيم بالسرعة والجودة المتعارف عليها، أو عدم وجود قيادة قوية تستطيع مكافأة المنجز ومعاقبة المقصِّر من الموظفين في القطاع الحكومي، أو بسبب وجود هياكل تنظيمية غير عملية وتحتاج إلى مزيد من الرشاقة، أو اجتماع أكثر من سبب من الأسباب التي ذُكِرت أعلاه، أو لسبب آخر نجهله ولم يُذكر أعلاه.
أيًّا ما كان السبب، إلا أنَّ تطوير الخدمات الحكومية ومواكبتها لسرعة المتغيرات العصرية، أصبح مطلبًا جماعيًّا، وضرورة ملحة وعاجلة لأسباب كثيرة:
1- مُراعاةً للشأن المحلي: فكما هو معلوم للجميع أنَّ إصلاحات إدارية ومالية عديدة تم إقرارها من العام الماضي 2020م، وما زالت مستمرة، وآخرها إقرار ضريبة القيمة المضافة بواقع 5% على معظم الخدمات والسلع، والمقرر تطبيقها بتاريخ 18 أبريل 2021م، أي بعد أيام قليلة من اليوم، والتي تصادف بداية شهر رمضان المبارك، واستمرارية معاناة معظم الناس من آثار فيروس كورونا (كوفيد 19)، هذه الإصلاحات وآثار كورونا لها عواقب اجتماعية واقتصادية عديدة؛ لذلك لابد من تسهيل وتسريع الإجراءات والمعاملات الحكومية لتكون "تعويضا مباشرا" لتقليل وتخفيف معاناة المتعاملين مع الجهات الحكومية، ولتعتبر الحكومة أن ذلك صِمَام أمان لتقليل الضغوطات مع المتعاملين معها قدر الإمكان؛ فكثرة الضغوطات الحياتية لن تكون لصالح أحد، بل قد تؤدي إلى الانفجار.
2- مَطلب دولي: أصبحت الدول تحت مِجهر التقييمات من المؤسسات الدولية، وبما أنَّ السلطنة عضو في معظم المنظمات الدولية، وتحاول رفع ترتيبها ومكانتها في كافة مناحي الحياة، فمن الطبيعي أنْ تعمل بشكل علمي ومهني ووفق المعايير الدولية وبتسارُع سنة بعد سنة، وإلا فلن تستطيع التقدم في ترتيبها الدولي، ولن تستطيع جذب أنظار هذه المنظمات أو إبهارها؛ وبالتالي لن تستطيع جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة أو غير المباشرة، خاصة وأنَّ كثيرا من الأفراد أو الصناديق الاستثمارية العالمية تعتد بنتائج وترتيب الدول في هذه التقييمات الدولية المستقلة.
3- مطلب متَّسق مع رؤية 2040: هذه الرؤية التي بدأت في هذا العام 2021م، والتي سوف يُصادف أن نشاهد شعار الرؤية كل يوم بشكل أو بآخر، سوف تظل رؤية 2040 شعارات براقة، ما لم نر آثارها على أرض الواقع، محسوسة وملموسة، بعدها يُمكن تصديقها والإشادة بها من المتعاملين، ولو من بعضهم.
4- مطلب مُستقبلي: العالم أصبح منذ زمن بعيد قرية صغيرة، وعُمان جزء أصيل من هذه القرية العالمية؛ لذلك فإن أردنا أن نكون جزءا منهما، أو في مصاف الموجودين في هذه القرية العصرية، فلابد أن نواصل العمل ليلَ نَهار؛ فالمتغيرات العصرية محليا وعالميا أصبحت سريعة، وليس من السهل مواكبتها إلا من خلال مختبر علمي يعمل بشكل مؤسسي ممنهج، به مجهر دقيق يرصد هذه المتغيرات بدقة وحِرفية، لا يكفي ذلك، بل لابد من تجهيز المختبر بعناصر بشرية مؤهلة ومتقدمة تستطيع استعياب المتغيرات، والتعامل معها بمرونة وبنفس السرعة المخيفة، ولأننا جزء من المنظومة العالمية، فلا يمكن أن نتوقع إيقاف المقارنات بين الدول بعضها البعض؛ لذلك فمن الضروري تجهيز المختبرات الاستشرافية المتقدمة في وقت مبكر، وإلا فإنَّ قطار التقدم لن ينتظرنا كثيرا.
تطوُّر الخدمات الحكومية لجهة واحدة أو اثنتين أو ثلاث، لا يعني تطور الدولة بأكملها، ولكن عندما تكون الخدمات الحكومية جميعها مربوطة إلكترونيًّا، وتقدِّم نفس السرعة والجودة، عندها يمكن أن نَنْعَت أيَّ دولة بالمتقدمة؛ لذلك على حُكومتنا أن تعمل وفق هذا المبدأ، وتقيِّم نفسها داخليا على ذلك؛ لأنَّ التقييمات العالمية تقيِّم على شكل منظومة متكاملة وشاملة، وليس على جهة حكومية واحدة دون ربطها بباقي الجهات الحكومية.