تكلم يا ضحّي

سالم بن نجيم البادي

عن الغلابة والمساكين وأنت منهم، وتعيش بينهم وتدري بأحوالهم، والمشكلات والهموم التي يعانون منها، دعك من أولئك الذين يعيشون في أبراجهم العاجية، ويحرِّمون الاقتراب من منطقة العوز والحرمان، ويحاولون الإيحاء بأن الجميع يعيشون في جمهورية أفلاطون الفاضلة، وكله تمام والأمور طيبة، وإذا تكلمت عن معاناة الناس فأنت مشكوك في وطنيتك وأنت متشائم، وتبث روح الانهزامية بين الناس.

الغلاء مستشر، والضرائب البُعبع القادم والهم الجاثم على الصدور، والمئات من الشباب والشابات في عمر الزهور، وفي أوِّج قوتهم وعطائهم وإقبالهم على الحياة، لا يجدون الوظائف، وقابعون في بيوتهم ينتظرون المال اليسير من الأهل من أجل تسيير شؤون حياتهم.. باحثون عن عمل ولا تقل بطالة ولا تقل عاطلا "هذه مفردات صعبة شوي"، ولا أحد يذكر نسبة البطالة عندنا في بلد لا يصل عدد سكانه إلى 3 ملايين نسمة، والمطلوب من القطاع الخاص أن يوظف العدد الأكبر من الباحثين عن عمل.

من يسمع هذا الكلام يظن أن لدينا مصانع وشركات عملاقة وضخمة وعالمية وعابرة للقارات، وأننا نُنتج كل ما نحتاج إليه من طائرات وسيارات وأغذية وأدوية وتكنولوجيا، وكل شيء، ونصدِّر ما يزيد على حاجتنا، كما تفعل الدول مثل ألمانيا وأمريكا والصين واليابان وتركيا...وغيرها من دول العالم.

القطاع الخاص عندنا غير قادر على استيعاب المزيد من الباحثين عن عمل، وهو مُرهق بالضرائب والروتين وكورونا والإغلاق المتكرر، والقطاع الخاص يسرح الناس من العمل، ويتهرب من توظيف حتى من تم تدريبهم ووُعِدوا بالتوظيف المباشر بعد التدريب.

إن الذين تم تسريحهم من العمل عليهم ديون عجزوا عن سدادها، وكانت أحوالهم مستورة، والآن صاروا من الفئة المستحقة للزكاة والصدقات التي تُجمع لهم من أقاربهم، وبعضم مهددون بالسجن أو سُجِنوا بعد أن أراقوا ماء وجوههم أمام المحاكم وطلب المساعدة أو البكاء في وسائل التواصل الاجتماعي، وتمنح فئة الضمان الاجتماعي 80 ريالا للفرد الواحد و125 ريالا للأسرة المكونة من شخصين؛ فهل تكفي هذه المبالغ لشراء المواد الغذائية لمدة شهر؟

ورجل رزقه الله بعدد من البنات والأولاد أنهوا دراسة الدبلوم العام ولم يحالفهم الحظ في الالتحاق بمؤسسات التعليم الحكومية، وهو عاجز عن دفع نفقات دراستهم في الجامعات الخاصة، فسالت الدموع من عينيه وهو يتحدث عن ابنته التي حصلتْ على درجات مرتفعة في امتحانات الدبلوم العام في كل المواد، ولكن درجاتها في مادة اللغة الإنجليزية نقصت 3 درجات عن الحد المطلوب للقبول في مؤسسات التعليم الحكومية.

الرواتب المتدنية في القطاع الخاص، كيف يمكن لشاب أن يبني بيتا ويشتري سيارة ويتزوج ويكمل دراسته العليا براتب من القطاع الخاص؟

الآلاف يسافرون طلبا للعلاج في تايلند والهند وإيران هربا من المواعيد الطويلة في مستشفياتنا، أو لوجود أزمة ثقة بين المواطن والخدمات التي تقدمها وزارة الصحة، الكل يسافر، القادر وغير القادر، طلبا للعلاج، حتى صار ذلك ثقافة أو عادة سار عليها أفراد المجتمع.

تكلم يا ضحّي عن ذلك الرجل الذي يرغب في جلب عاملة لرعاية زوجته المريضة والعاجزة عن الحركة، وهو كذلك مريض وليس لديهم أولاد، وعندما ذهب إلى الجهة الحكومية، كان أحد الشروط أن لا يقل راتبه عن 500 ريال حتى تتم الموافقة على طلبه، وهو متقاعد وراتبه أقل من هذا المبلغ، والرعاية الصحية التي تقدمها وزارة الصحة لكبار السن في منازلهم غير كافية وغير منتظمة.

وعن ذلك الشاب الذي أراد أن يفتتح مشروعا تجاريا صغيرا، لكنه صُدِم من قائمة الطلبات والإجراءات والتعقيدات والروتين والرسوم.

تكلم يا ضحّي عن تجديد ملكية السيارة وشركات التأمين ومخلفات الرادار المتربص بنا في كل مكان.

وعن ذلك الرجل الذي يرغب في تجديد سيارته ولكن إطاراتها بالية وصبغُها باهت، وتحتاج إلى صيانة، ويخشى أن ترسب في الفحص عند التجديد، وهو لايملك المبلغ المالي الكافي لصيانة السيارة ودفع قيمة التجديد والمخالفات.

تكلم يا ضحّي عن أسر كثيرة فقيرة ومتعففة تحتاج إلى المساعدة، وإن كنتم لا تعلمون عنها شيئاً اسألوا القائمين على جمع وتوزيع الزكاة في الولايات والمحافظات، فعندهم الخبر اليقين.

لم ينتهِ كلام ضحّي عن الغلابة، ووعدهم بالمزيد من الكلام في قادم الأيام.