دردشات على جدار الزمن

الدراسة في المغرب (6- 12)

حمود بن علي الطوقي

"الحلوى العمانية" في بلاط الملك الحسن الثاني

قصة تاريخية مثيرة جدًّا تذكرتها هذه الأيام، وأنا أدوِّن عن ذاكرة المكان وعن فترة دراستي الجامعية في المملكة المغربية، وسبق لي أن نشرت هذه القصة في هذا العمود قبل حوالي عام، بطل هذه القصة الجميلة هو "الحلوى العمانية"، وكيف وصلت إلى قصر جلالة الملك الحسن الثاني.

استحضرتُ قصة الحلوى وأنا أقدمها كهدية للناقد المغربي الدكتور نجيب العوفي أستاذ النقد والأدب المقارن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، وقد أعجب بمذاقها وبمكوناتها؛ فهي مختلفة شكلًا ومضمونًا عن بقية أصناف الحلوى. أذكر أننا على مستوى الطلاب العمانيين كانت الحلوى حاضرة في بيوت الطلاب، وكانت تقدم للضيوف من طلاب المغاربة أو العرب الذين يزورون بيوت الطلاب، وتنفرد الحلوى العمانية بمذاقها الخاص وسمعتها الطيبة، وشهرتها الواسعة فإذا كانت "الشباكية" الحلوى المغربية الشهيرة وذات الصِّيت الواسع، وبرزت شهرتها في أوروبا وحتى دول الخليج، فإنَّ الحلوى العمانية لا تقل شأنا في الشهرة، إلا أنها ظلت "ماركة" عمانية تسوق داخليا بطريقة تقليدية، ولم يهتم أصحاب هذه المهنة باتباع أسلوب تسويقي لكي تتعدَّى حدود المحلية، وتصبح علامة تجارية عالمية متداولة في كل بقاع الأرض.

أعود لقصة وصول الحلوى العمانية إلى بلاط جلالة الملك الحسن الثاني -رحمه الله- وأسوق في هذا السياق هذه القصة الجميلة الواقعية والظريفة، بطلتها الحلوى، وقد حكاها لي الأخ الصديق سعيد بن مالك الكندي الذي عمل دبلوماسيا لسنوات في السفارة العمانية بالرباط في المملكة المغربية، وكان قبل ذلك طالبا تخرج في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط عام 1989.

يروي أخي أبو عيسى لنا هذه القصة، ويقول: إنه وأثناء زيارة قام بها للمرحوم الدكتور عبدالهادي التازي في منزله بالرباط، الكاتب والمؤرخ المعروف في المملكة المغربية، الذي سبق وتقلد عدة مناصب حكومية في المملكة المغربية، وكان الكندي قادمًا من عُمان، وكان التازي حينها طاعنا في السن، وقد أحضر له الكندي حلوى عمانية، وعندما تسلم الهدية المتواضعة (الحلوى العمانية)، استحضر المؤرخ التازي قصة مرتبطة بالحلوى العمانية، ورواها سعيد الكندي عليّ.

تقول القصة على لسان الدكتور عبدالهادي التازي: "كُنت في زيارة رسمية لسلطنة عُمان الشقيقة وخلال هذه الزيارة أعطيت من ضمن ما أعطيت حلوى عمانية هدية من السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه.

ويضيف: "بعدما وصلت المغرب اتَّصل بي الأمير مولاي عبدالله أخو الملك الحسن الثاني -رحمه الله- مستفسرا عن غيابي خلال الأيام القليلة الماضية، وذكرت له موضوع زيارتي إلى السلطنة والحلوى العمانية، واصفا له لذة هذه الحلوى، مما دفع بالأمير لزيارتي لتذوق هذه الحلوى التي أعجب بمذاقها، بعدها قام الأمير مولاي عبدالله كذلك بذكر لذة هذه الحلوى للملك الحسن الثاني -رحمه الله- الذي طلب من الدكتور التازي أن يحضر له هذه الحلوى".

ويواصل الدكتور التازي قصته مع الحلوى العمانية فيقول: "حينها شعرت بحرج كبير، كيف لي أن أحمل معي هذه الحلوى للملك، وقد سبق لي وقمت بأكل جزء منها، كما تذوقها معي الأمير مولاي عبدالله، فذهبت للأمير مولاي عبدالله لكي ينقذني من هذا الموقف الصعب، وما كان من الأمير إلا أن هدأ من روعي وقال لي إن الأمر بسيط، وإن الملك يريد فقط أن يعرف طبيعة هذه الحلوى ومذاقها وحسب".

ويتابع الدكتور والمؤرخ التازي راويا قصته عن الحلوى العمانية التي طلبها الملك الحسن الثاني -رحمه الله: "استقبلني الملك ومعي الحلوى العمانية؛ حيث قام الملك بتذوقها وقد استطعم مذاقها وأُعجب بها أشد إعجاب، وقرر تقديمها لضيوف أوروبيين، كان على موعد مسبق معهم على العشاء، لكنه فكر كيف يقدم الحلوى العمانية اللذيذة وقد أكل منها، لذا استدعى طباخ الحلويات في القصر في حينه؛ حيث طلب الملك منه أن يقوم بتقطيع الحلوى لمربعات صغيرة ووضع عود في كل مربع حلوى، وأن توضع بعد ذلك في أوانٍ داخل الثلاجة بطريقة منظمة، وفعلا فعل الطباخ ما أمر به الملك، وفي المساء حضر الضيوف واستطعموا الحلوى وأعجبتهم كثيرا، وسألوا عن طبيعتها، وكيف تصنع، وما هي مكوناتها، فرد الملك بأنه لا يعلم مكونات هذه الحلوى العجيبة، لكنه قال إنها الحلوى العمانية المشهورة عالميا".

هنا.. انتهت القصة، لكنَّ طريقة وصول الحلوى العمانية إلى بلاط الملك الحسن الثاني، تدعونا لكي نؤرخ هذه القصة، ونستلهم منها أهمية تسويق الحلوى العمانية لتكون موجودة على موائد الحكام والأمراء ورؤساء الدول؛ باعتبارها أكلة عمانية المنشأ والهوية.

من هنا، أعتقد أنه لا بُد وأن يكون هناك اجتهاد ودعم لفكرة تطوير آلية وشكل تغليف وتسويق الحلوى العمانية، لنرى حضورها في كل الأسواق العالمية، ويكون هناك طلب عليها من كبار المستوردين، فكما تقوم الشركات العمانية بطلب المنتجات والعلامات التجارية العالمية لبيعها في السوق العمانية، فعلى هذه الشركات الاشتغال على تسويق الحلوى العمانية كعلامة تجارية عمانية خالصة في الأسواق العالمية.

فهل يمكن أن نستلهم من قصة الحلوى العمانية مع الملك الحسن الثاني مشروعا لترويج الحلوى العمانية لتصل إلى العالمية وإلى آفاق أرحب؟!