جابر حسين العماني
في أحدى المجتمعات البعيدة، وفي ليلة من ليالي الصيف الحار، وبعد منتصف الليل المظلم، اتصلت إحدى الأخوات منهارة بالبكاء والعويل، طالبة الحضور إلى بيت زوجها بشكل عاجل لحل مشكلتها الكبيرة؛ كما تزعم.
حاولت بدوري تهدئتها، وتأجيل الحضور إلى الصباح الباكر حتى تهدأ أعصابها وتستعيد أنفاسها، لكنها أقسمت بالله تعالى بضرورة الحضور إلى أسرتها في ذلك الوقت المتأخر للاستماع لمشكلتها، ولشدة بكائها وعويلها شعرت بأنَّ مشكلتها تستحق العناء.
ومن باب الآداب العامة، بادرت بالاتصال بزوجها لمعرفة حجم المشكلة وأسبابها، وما هو المطلوب لتخفيف حجمها، رحب بي الزوج ولكن الغريب في المشهد أن الزوجة لا زالت تصرخ منفعلة، تارة تسب زوجها، وأخرى تلعنه، وأخرى توبِّخه طالبة منه طلاقها في الحال، غير آبهة بحضور أبنائها التائهين بينهما، والذين كانوا ضحية التفاهات الزوجية، أما الزوج فتارة يبتسم وأخرى ينظر إلى أبنائه ودموعه على خديه غير مكترث بصراخ زوجته وعويلها.
وبعد تهدئة الوضع بينهما، وجهت سؤالي للزوج: ما هي المشكلة بينكما؟.. قال: كنت نائما وأفقت مذعورا من نومي بسبب الكف المؤلم الذي وقع على وجهي وأصم مسامعي من شدة قوته، فتحت عيني وإذا بالضارب هي زوجتي هذه، طلبتُ منه الهدوء، ثم توجهت إلى الزوجة بالسؤال: لماذا قمتِ بضرب زوجك أثناء نومه؟ أليس هذا خطأ ينبغي عليك تجنبه؟! أجابت قائلة: ضربته لأني سمعته أثناء نومه ينادي ليلى ليلى ليلى!! فمن هي ليلى التي بات يَهذي باسمها في نومه، والتي دخلت في حياته لتأخذه عني؟!!
شر البلية ما يُضحك، يا تُرى: هل يصحُّ لهذه المرأة طلب الطلاق لمجرد هذيان يحصل لزوجها في وقت نومه؟ وهل يصح لها ضربه وإزعاجه في وقت راحته ونومه لمجرد الشك بأنَّ هناك خيانة زوجية؟ وهل يصح لها إثارة مشكلة بهذا الحجم في وقت متأخر من الليل أمام مرأى ومسمع الجميع؟
"يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ"
من خلال هذا المقال، أودُّ تسليط الضوء على بعض من تلك التفاهات التي تحصل بين الأزواج، والتي توصلهما في كثير من الأحيان إلى طريق مسدود يؤدي إلى الانفصال، وتكون الضحية الأسرة برمتها، ومع أنها توافِه لا قيمة لها في الحياة الأسرية، إلا أن البعض مع كل الأسف يؤمن بها ويبني عليها قراراته الظالمة نتيجة الجهل المطبق الذي يعيشه.
بعض المشاكل الصغيرة التي تَطرأ على الحياة الزوجية، والتي تعد من التوافه، ينبغي عدم الالتفات إليها، ومع صغر حجمها أحيانا إلا أنها تكبُر إذا تم الالتفات إليها، ومن أسبابها في كثير من الأحيان عدم تنازل الطرفين، وابتعادهما عن الحوار الأسري الهادف، ومن تلك الموارد التافهة التي أوصلت البعض مع كل الأسف إلى الطلاق والانفصال الدائم وشتات أفراد الأسرة :
النزاع المستمر بين الزوجين حول مشاهدة فيلم معين، أو مباراة معينة، أو الخلاف على درجة حرارة تكييف المنزل أو غرفة النوم، والكثير من تلك التوافه التي قد يكون حلها بسيطا للغاية، ولا يتطلب الكثير من الجهد والتعب والإرهاق .
ومن أجل تحقيق حياة زوجية أفضل وأرقى وأجمل بين الزوجين، لابد لهما من الاهتمام بالآتي :
- تحديد المشكلة والتركيز عليها بشكل جيد، ثم الحوار الهادئ حولها، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة، وعدم التركيز على الأخطاء والمشاكل السابقة.
- محاسبة النفس والتعرف على تقصيرها مع الله أولا، ومع الطرف الآخر ثانيا.
- الاعتراف بالخطأ في الحياة الزوجية، وعدم الإصرار على تكراره؛ فالاعتراف بالخطأ شجاعة لا يستطيع القيام بها إلا الأوفياء الأقوياء الأخيار العارفين بأهمية بناء الأسرة بناءً سليما وصالحا، بعيدا عن الملوثات التي قد تتعب الحياة الزوجية، فقد قيل قديما: "الاعتراف بالخطأ أفضل من التمادي إلى الباطل"، ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".
- محاولة حل المشاكل الصغيرة وعدم السماح بتراكمها حتى لا يصعب حلها فيما بعد.
- زراعة ثقافة الاعتذار بين الزوجين، وسقيها بالمحبة والمودة والترابط والتعاون بشكل دائم ومستمر.
قال تعالى: "وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
ينبغي أن يعلم الزوجين أنَّ العالم الأسري والاجتماعي لا توجد فيهما حياة كاملة، أو راحة مستدامة، أو رفاهية متكاملة، أو سعادة مستمرة كما يعتقد البعض ذلك؛ فالحياة الأسرية والاجتماعية بطبيعتها جُبِلت على الابتلاءات والمحن والمآسي التي لابد من وجودها في حياة الإنسان، ولتخفيف هذه الابتلاءات والمحن الأسرية والاجتماعية التي قد تطرأ على الحياة الزوجية بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام، لا بد على الزوجين أن يُؤمنا بأهمية الحب والتفاهم والتنازل وحُسن العشرة، والايمان المطلق بثقافة الحوار والحلم والصبر والرحمة والمودة والتفاهم والترابط بينهما، وجعل كل ذلك كأسلحة فعَّالة ومُجرَّبة لمحاربة التوافه الزوجية والمنغصات الحياتية التي قد تطرأ على الحياة الزوجية وتصيبها بالجفاف العاطفي.