رؤية "عمان 2040".. آمال وطموحات (1)

 

محمد بن خلفان العاصمي

منذ أن أسدى المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أوامره السامية بالبدء في إعداد الرؤية المُستقبلية (عُمان 2040) وفق توافق مجتمعي واسع ومشاركة فئات المجتمع المختلفة، تحدد مسار انطلاق الرؤية الذي أراده من خلال المُجتمع وحاجاته وتطلعاته ومُستقبله. هذه النظرة الحكيمة من جلالته طيب الله ثراه تبين على نحو واضح إدراكه أنَّ الشعب قادر على رسم خارطة المستقبل وفق المحددات التي وضعها كمنطلقات ثابتة للرؤية وهي أن تكون الرؤية مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستشرفة للمُستقبل.

لذلك جاء التنفيذ مُواكباً لهذه المُنطلقات وكان اختيار جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم – حفظه الله ورعاه- رئيساً للجنة الرئيسية للرؤية ليزيد من أهمية بناء رؤية مستقبلية تقود البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة، وقد أشار جلالته إلى أنَّ هذه الرؤية هي(بوابة لعبور التحديات ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية وتوليد الجديد منها من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي وتحفيز النمو والثقة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في كافة مُحافظات السلطنة).

وبالتركيز على العبارة السابقة نجد أنَّ الرؤية تستهدف أولاً التغلب على التحديات التي واجهت الرؤية السابقة وهذا أمر مهم في عملية التخطيط الاستراتيجي حيث يجب أن يبنى التخطيط الاستراتيجي على دراسة وتحليل السابق وتحديد مواطن القوة والضعف والتحديات التي واجهت التنفيذ لكي تتولد رؤية واضحة وواقعية تساهم في تحديد الاحتياجات القادمة وآلية مواجهة الصعوبات وتوقعها في المقام الأول. ثم يأتي أمر آخر مهم جداً وهي منطلقات الرؤية وما ستقوم بمُراعاته في إعدادها حيث جاء في البداية مواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية هذا الجانب المهم الذي يجب مُراعاة وضعه في الحسبان حيث إنَّ السلطنة تقع في منطقة حساسة وحيوية وتشهد كثير من الأحداث والمُتغيرات على جميع المستويات والنواحي وهي من أهم المناطق الجغرافية على مستوى العالم حيث شهدت في السنوات الثلاثين الأخيرة تغييرات متواصلة وشهدت صراعات دولية وتحالفات واتفاقيات وكانت محور العمل السياسي والاقتصادي  العالمي. هذا الأمر يتطلب وضعه في الحسبان عند التخطيط للمستقبل فمن المهم أن تتسم الرؤية بالمرونة التخطيطية التي تسمح لها بالتأقلم والتفاعل مع المتغيرات المتوقعة وغير المتوقعة والظروف الاستثنائية، من أجل ذلك أعدت الرؤية المستقبلة وهي تتماشى مع ذلك الوضع المتأرجح وبما يسمح باستثمار الفرص المتاحة وخلق فرص جديدة للوصول إلى مستوى التنافسية العالمية والرفاه الاجتماعي والنمو وهي مؤشرات قياس أداء سنتطرق لها في مقال قادم.

لقد استلهمت الرؤية فكرها من فكر القيادة والشعب ولذلك جاءت ورش العمل المصاحبة لإعداد الرؤية 2040 متسقة مع هذا المبدأ، فشملت اللقاءات مختلف القطاعات وشرائح المجتمع والتقت اللجان بعدد كبير من المواطنين في مختلف المجالات واستمعت لآرائهم ووجهات نظرهم وبلورتها إلى أهداف وتطلعات سوف تسعى الرؤية إلى تحقيقها. هذا الإيمان العميق بأهمية إشراك المجتمع في بناء مستقبله ينم عن ثقة فيما وصل إليه المواطن من وعي وإدراك لصياغة عُمان المستقبل له ولأبنائه، كما أنه ينطلق من مبدأ الشراكة الذي أراد الراحل الخالد جلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- أن يكون منطلقاً للمرحلة القادمة وهذا ما عززه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والذي يولي عناية خاصة بهذه الرؤية ويعول عليها في إحداث التغيير المنشود في المرحلة القادمة من النهضة المتجددة، هذا التغيير الذي سوف ينقل عُمان إلى مصاف الدول المُتقدمة والذي هو عنوان "رؤية 2040" والذي سوف أتناوله في مقال قادم مع مؤشرات قياس أداء الرؤية وتقييم مراحلها التنفيذية بدءًا من الخطة الخمسية العاشرة.

تعليق عبر الفيس بوك