ترجمة- الرؤية
عندما سئل الرؤساء التنفيذيون في بداية عام 2020 عن أكثر ما يُؤرقهم خلال الليل، أوردوا القائمة المعتادة: كيفية مواكبة نماذج أعمالهم للعالم المتغير، وإعادة تشكيل سلاسل التوريد وسط الخلافات الجيوسياسية، دون أن يتحدثوا عن تخلف شركاتهم من الناحية التكنولوجية، أو جذب ألمع الموظفين، أو الحفاظ على المستهلكين والمستثمرين القلقين بشكل متزايد بشأن قضايا مثل العدالة الاجتماعية أو التغير المناخي.
وطرحت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية السؤال ذاته مع اقتراب نهاية العام الأكثر اضطرابًا في الذاكرة الحيَّة، وقالت المجلة إن الإجابات ستكون متشابهة إلى حد كبير. وترى المجلة في تقرير لها أن الوباء غيّر بعض الأمور من حولنا؛ حيث شرعت الشركات في تجربة عملاقة حول ما إذا كان بإمكانها التحول إلى العمل الجماعي عن بُعد (يمكنهم ذلك، أكثر أو أقل) وما إذا كانت سلاسل التوريد العالمية يمكن أن تصمد أمام اضطراب واسع النطاق (كما سبق). وكان على الرؤساء تعلم كيفية إدارة أعمالهم من دراساتهم وتم اختبار مهاراتهم في إدارة الأزمات.
لكن فيروس كورونا في الغالب سرّع ببساطة التغييرات في عالم الأعمال التي كانت تحدث بالفعل (كما حدث في معظم مجالات الحياة اليومية). الأمر الذي تسبب في نشوء 3 انقسامات كبرى في مشهد الشركات حول العالم.
الانقسام الأول:
تسبب الفيروس في تقوية شوكة الشركات الكبيرة القوية بالأساس، لأنَّ تلك الشركات تقدم منتجات وخدمات تعتمد عليها تجربة العزلة الذاتية. وما كان يُعد أمرا عاديا في السابق (مثل التوصيل للمنازل من أمازون، وبرامج المكاتب السحابية من مايكروسوفت، ومكالمات الفيديو من زووم، وسهرات فنية مع نتفليكس) أصبح ضرورة، خلال فترة العمل عن بُعد أثناء النهار، وأيضاً حياة مقبولة اجتماعياً بعد ذلك. أما الشركات الضعيفة- أو تلك التي بدت قوية فقط ظاهرياً- فقد سقطت أرضًا.
وضخ المستثمرون- الذين يتكالبون على النقود ويتعطشون للعوائد في عالم تقترب معدلات الفائدة فيه من الصفر- مبلغًا قياسيًا قدره 3.6 تريليون دولار في الشركات غير المالية. وتدفقت الأموال على الشركات حتى في الصناعات التي كان فيروس كوفيد-19 يهددها بالغرق، مثل السفن السياحية والسفر الجوي، طالما أن هذه الشركات لديها فرصة لترسيخ هيمنتها قبل انتشار الوباء. وفي أبريل، جمعت شركة كرنفال كروز لاينز 6.25 مليار دولار عبر الديون والأسهم، وباعت شركة بوينج سندات بقيمة 25 مليار دولار في مايو، ناهيك عن أن طائرة 737 ماكس الأفضل مبيعًا لا تزال متوقفة عن العمل بعد حادثين مأساويين في 2018 و2019. وتدفقت الدولارات إلى موجة من الطروحات الأولية في أسواق المال، لتعيد إلى الأذهان العام 1999، عندما انفجرت "فقاعة الإنترنت"، أو ما كان يعرف بـ"انهيار الدوت كوم" الذي نجم عن ارتفاع سريع في التقييم المالي لأسهم التكنولوجيا.
وساعد هذا في الانقسام الثاني، والذي حدث بين بورصة "وول ستريت" المفعمة بالحيوية؛ حيث انتعشت مؤشرات الأسهم من مراحل الانهيار في مارس إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، وبين الشركات التي تصطف على جانبي شارع وول ستريت أحد أبرز شوارع مانهاتن في نيويورك. ودفع صعود أسهم التكنولوجيا القيمة السوقية لشركة آبل إلى ما يزيد عن 2 تريليون دولار، وسمح لشركة تيسلا بالتغلب على منافسها العملاق في صناعة السيارات بفضل قيمتها السوقية العالية.
أما الانقسام الثالث، فوقع بين الغرب والصين، ومن المحتمل أن يتسع حتى في حالة تلاشي أزمة كوفيد-19. وحاول الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، إعاقة عمالقة التكنولوجيا الصينيين تقريبًا منذ توليه منصبه في عام 2016، من العمل على الأراضي الأمريكية، ومنها شركة هواوي التي تصنع معدات اتصالات الجيل الخامس، لكن الأمريكيين ينظرون إليها باعتبارها تهديد للأمن القومي، إلى جانب تطبيق تيك توك الصيني الشهير. لكن في المقابل قد يسعى خليفته جو بايدن، للتخفيق من حدة المشاعر المناهضة للصين.
ومع استمرار المتغيرات الجيوسياسية في تقويض سلاسل التوريد التكنولوجي في عام 2021، ستضطر الشركات التي توفر الخدمات للأسواق الغربية والصينية إلى الانحياز. ومن بين هذه الشركات شركات أشباه الموصلات التايوانية أو شركات الطاقة العملاقة أو شركة ASML؛ وهي شركة هولندية تحتكر معدات صناعة الرقائق المبتكرة وتفوقت هذا العام على شركة سيمنز لتصبح أكبر شركة صناعية في أوروبا.
لذلك، تختتم المجلة تقريرها، بالقول إنه لا ينبغي للمديرين التنفيذيين الخلود إلى النوم في عام 2021!!