د. بدر الشيدي
تفصلنا عن العام الجديد 2021 أيام معدودات، يتزامن مع الانطلاقة الفعلية لرؤية عُمان 2040. نتطلع كلنا أن تكون السنة الجديدة فاتحة خير وبركة علينا وعلى وطننا، وأن تحمل السنة القادمة في طياتها مؤشرات إيجابية في الأوضاع المعيشية والأحوال الاجتماعية والثقافية، كما يتطلع الكل لأن يرى بلده وقد حقق الكثير من الإنجازات النوعية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، من شأنها تعزيز وتقوية مكانة عُمان الإقليمية والدولية بما يتوافق مع تاريخها ومساهمتها في الحضارة الإنسانية.
لكن ومع كل تلك الأمنيات التي لن تكتمل في ظل وجود بعض الرهانات والملفات الضاغطة والمؤرقة للمجتمع والسلطة معاً، إن لم تكن مفخخة يتطلب مقاربتها وإيجاد حلول ناجعة، لها وتحويلها من ملفات مفخخة إلى نماذج للبناء والتطور. في الحقيقة كل الملفات مترابطة ومتداخلة مع بعضها وهي مدركة تماماً من قبل الحكومة والمجتمع. وأبرز تلك الرهانات التي يتطلب إدراكها خلال عام 2021 وهي كالتالي:
التحدي الأول: يتعلق بمُعالجة آثار جائحة كورونا والتنوع الاقتصادي. في ظل التراجع الحاد لأسعار النفط، وما فرضته جائحة كورونا كل ذلك ألقى بظلال قاتمة ووضع صعب على الصعيد المحلي كما هو الدولي، الكل بات يدرك حجم الأضرار البالغة وتضخم الفاتورة التي خلفتها ولا زالت تخلفها الجائحة، إذ بلغت تلك الأضرار ما يقدر بـ13 مليار ريال. لذلك قد يتطلب الأمر خلق آليات للتعايش مع تداعيات الجائحة وما خلفته، وكذلك إيجاد آليات خاصة لإدارة مرحلة ما بعد كورونا، وذلك بوضع الخطط الطموحة لإرجاع وإصلاح ما خلفته الجائحة، وسيكون الرهان على إعادة تنشيط الاقتصاد ووضع عربته على المسار الصحيح ليعاود الانطلاق من جديد، ليس ذلك فقط، بل يتحتم كذلك إيجاد آليات ووضع رؤية جديدة لتشجيع المواطنين بما يعزز قدرتهم على إيجاد مصادر دخل وقدرة تنافسية تضمن عيشا كريما. ناهيك عن جذب أو استقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية. ناهيك عن ضرورة إيجاد بدائل مختلفة عن النفط وتنويع مصادر الدخل، والاستفادة القصوى من المكونات الطبيعية والموقع الجغرافي وتحويل كل ذلك إلى مصادر أخرى للدخل القومي. وقد يتطلب ذلك القيام بالعديد من الإجراءات والخطوات، كتذليل الكثير من الصعوبات ويأتي في مُقدمتها تبسيط الإجراءات وتغيير ثقافة الإدارة والموظف وتفكيك القيود المكبلة للاقتصاد وتحريره من بعض الرسوم والمتطلبات، وتحول الاقتصاد الريعي، إلى اقتصاد منتج، وضرورة الارتقاء بالخدمة المقدمة والشفافية، دراسة حقيقية لمفهوم التعمين والإحلال الوظيفي، لخلق جيل جديد من الموظفين القادة قادرين على ترجمة الطموحات المُعلنة التي تحملها رؤية "عمان 2040" والطموحات التي يصبو إليها المجتمع والوطن.
أما التحدي الثاني فيتعلق بمستوى الدين العام، فقد بلغ حجم المديونية الخارجية ما يعادل 17.8 مليار ريال، ما يقترب من 61% من إجمالي الناتج المحلي. كما انخفض التصنيف المالي للسلطنة من 6 عام 2014 إلى 113 عالمياً حسب تصنيف صندوق النقد الدولي، علاوة على انخفاض التصنيف الائتماني للسلطنة إلى ما دون مستوى الاستثمار، مع عجز متراكم. تلكم نسب مخيفة، والأمر يتطلب مزيدا من الحد من الإنفاق العام، وضبط الجودة، وعدم إرهاق الموازنة العامة بمصروفات لا طائل منها. وكذلك إخضاع الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة إلى الحوكمة ومراجعتها بشكل دقيق والجدوى من وجودها، ومراقبة شفافة وحازمة لكل العمل الوظيفي وحفظ المال العام، يتعين على الحكومة أن تقبل كذلك دورا مختلفا وحقيقيا لمجلس الشورى.
أيضاً ثمة تحدٍ ثالث لا يقل أهمية وهو ملف الباحثين عن عمل أيضاً هذا الملف أصبح مؤرقاً بشكل مخيف والاستمرار في عدم وجود مقاربة حقيقية له بشكل جذري قد تكون تكلفته باهظة على المسيرة. ناهيك عن أن تداعيات ذلك ظهرت على السطح مشكلة المسرحين من الوظائف. واعتمدت الحلول السابقة فقط على الحلول النظرية والمرجعية والإطارية وتهيئة الأرضية لحل هذه المشكلة، كل ذلك لم يؤتِ أكله ولم تقارب المشكلة بشكل حقيقي وجذري. أصبحت تكلفة إيجاد الحلول باهظة ومكلفة والمتمثلة في إيجاد الأرضيات، قد يكون أكثر من حل القضية من أساسها. لابُد من إيجاد حلول مبتكرة وجذرية والتفكير خارج الصندوق لاستيعاب الأعداد المتزايدة للباحثين، حتى لا تتفاقم هذه المشكلة وتلقي بظلالها على المجتمع ككل.
رهان وتحدٍ آخر يتصدر المشهد منذ سنوات طويلة، وأصبح حديث المجتمع ومطلبا متزايدا، وهو ملف الفساد، الذي تشترك فيه أغلب دول العالم إن لم تكن كلها، لكن الاختلاف يتراوح في سرعة مواجهته والوقوف في وجهه ذلك. وحجم التكلفة الباهظة التي تكلف الدولة والمجتمع. آن الأوان لوضع مقاربة مختلفة لمعالجة حجم الفساد الذي أصبح يأخذ أشكالا ومفاهيم مختلفة، وأصبح يتمدد طولا وعرضا بكل أريحية. وكلما تأخرت الدولة في مُعالجة هذا الملف زادت الفجوة بينها وبين المجتمع، لابد إذن من العمل على ردم هذه الفجوة والبدء في التقليل من آثار هذا الوباء الذي أصبح يضرب بأطنابه ويلقي بظلاله على المجتمع ككل وإن التراخي في ذلك قد يجلب معه الكثير من الأزمات والانتكاسات.
الوضع الإقليمي والدولي. هو الآخر ملفٌ يشكل تحديا ورهانا من نوع مختلف؛ حيث يتعلق هذا الأمر بالسعي الدائم في المحافظة على مكانة عُمان على الصعيد الإقليمي والدولي كرائدة للعمل السلمي.. فالنجاحات الدبلوماسية التي تحققت أوجدت مكانة لائقة ومميزة في المجتمع الدولي، الأمر الذي يتطلب العمل على تعزيز تلك المكانة والمحافظة عليها في ظل وضع إقليمي ودولي مفخخ. كلنا يدرك تمامًا التحديات والضغوط على الصعيد الإقليمي والدولي. وليس سرا في ظل التحولات الجيوسياسية تغيرت الكثير من المفاهيم والمبادئ، وقد رحلت القيادات التاريخية المؤسسة للعمل المشترك والتضامن، وصعود قيادات جديدة شابة على المسرح السياسي وما رافق ذلك من تحولات كبيرة. فلم يعد للتضامن العربي مكان ولم يبقَ للأخوة وحسن الجوار أي اهتمام، وتلاشت سيادة الدول، وتراجع دور المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وأصبحت الشكوك وعدم الثقة هي عنوان المرحلة القادمة وهي ما يحكم العلاقات الدولية. وعلى الصعيد العالمي، برزت الرأسمالية المتوحشة وكشرت عن أنيابها في وجه الدول الأخرى، وحلت المصالح المالية والاستغلال محل الإنسانية ولم يعد للديمقراطية أي معنى في ظل تصاعد الشعبوية والعنصرية التي تجتاح العالم.
كل ذلك خلق أعباءً إضافية في الوقت الذي يتطلب مواصلة سياسة الحياد وتحويلها إلى حياد إيجابي واستثماري وقطف ثمارها أو تحويله إلى ما يشبه مورد دخل ورافد مالي. ربما يتطلب ذلك تغيير بعض المفاهيم وبعض الثوابت والقفز على بعض المبادئ، لإيجاد مقاربة ناجعة بما يتوافق مع المتطلبات والظروف المحيطة.
مما لا شك فيه أن رؤية "عمان 2040" قاربت الكثير من المتطلبات لإعادة إنعاش الاقتصاد، بما يتوافق مع التحديات ورهانات المستقبل.