خالد بن الصافي الحريبي
يهل علينا وعلى العالم عام جديد وعيد سعيد ونتساءل بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ ؟ كما قال الشاعر أبو الطيب المُتنبي. ولأنَّ من رحمة الله عزَّ وجلَّ بعباده أن جعل مع كل ابتلاء نعمة يعول الكثير منِّا على أن يحمل ٢٠٢١ خيراً يخفف علينا ابتلاءات ،٢٠٢٠ التي منها افتقادنا لأعز الأنفس وأنقاها ونقص في الأموال والثمرات أعاننا الله على الصبر وعلى شكره وحسن عبادته. كما نعول على العام الجديد في أن نشهد تعافي الاقتصاد العالمي. ومن المعلوم أنَّ مثل الاقتصاد العالمي لحال القوى العظمى كالجسد الواحد إذا اشتكى في الولايات المتحدة الأمريكية عضو تداعى له جسد العالم بالسهر والحمى. ومما سيحدد حال عالمنا واقتصاده ليس خلال ٢٠٢١ فقط بلا خلال الأربعة أعوام المُقبلة على الأقل هو تعاملنا مع حال لم نشهد له من مثيل قبل على الإطلاق: بطتان عرجاءين في أمريكا. و"البطة العرجاء Lame duck" وصف يُطلق منذ العام ١٧٦١ على أي رئيس أمريكي شارفت ولايته أو مدة خدمته على الانتهاء وعلى وشك أن يُسلم منصبه إلى خصمه، كما يطلق أيضاً على المسؤولين في وضع مُماثل. وأصله تشبيه المسؤول الذي لم يعد بيده القلم يكاد يقول له كل صديق كان يأمله لا أُلهينك إني عنك مشغولُ وينفض النَّاس من حوله كالبطة الوديعة بين الثيران الهائجة والدببة الشرسة. وأما البطتان فهما الرئيس الأمريكي الـ٤٥ المنتهية ولايته دونالد ترامب، والرئيس الأمريكي المنتخب الـ٤٦ جوزيف بايدن الذي تبدأ ولايته في ٢٠ يناير ٢٠٢١ حسب الدستور الأمريكي وسيُواجه خصوماً في الكونجرس يحدون من سلطته وتأثيره. وما يهمنا هو كيف نعيش مع تأثير فخامة البطتين علينا بما يُعزز قيمنا ومصالحنا المشتركة؟
نحن والبطة الأولى
كتب منتقدو الرئيس دونالد ترامب عن مساوئه أكثر مما كتب مالك في الخمر، وأما مناصروه الذين يتعدون ٧٥ مليون إنسان فآمنوا بحديثه عن "أمريكا أولاً" "ولنعد عظَمة أمريكا" ودعموه قلباً وقالباً في صناديق الاقتراع بل وأمدوه بما يربو عن ٣٠٠ مليون دولار أمريكي على الأقل منذ خسارته الانتخابات. ومن باب ذكر المحاسن فمن المُفيد الأخذ بعين الاعتبار بعض ما قام به ترامب. أولاً كشف للعالم علناً ولأوَّل مرة أن مصالح أمريكا فوق كل اعتبار إنساني أو أخلاقي، وثانياً بيّن للناس أخطر نقطة ضعف في أمريكا وهي العنصرية التي أدت ببعض المُحللين الأمريكيين إلى أن يتوقعوا أن تشعل شرارة حرب أهلية أمريكية ثانية نظرًا لأنها أشعلت شرارة حربهم الأهلية الأولى خلال الفترة 1861-1865، وثالثاً وضح لنا بعض مظاهر الترهل التي أصابت الأمم المتحدة والمنظمات العالمية، كما أرانا أنَّه لا عاصم لأي نظام من كيد الحاسدين والمتربصين فلا زالت جيوش إلكترونية عدوة وصديقة تخترق أنظمة حساسة للأمن القومي الأمريكي ليل نهار لغاية يومنا هذا. وعليه يمكن استخلاص بعض الدروس المستفادة منها أنَّ أي نظام قوة عظمى يتبنى شعاراً براقاً ويبيت النية على ظلم الآخرين بالباطل فهو باطل وغير مستدام وسيسقط في أول اختبار حقيقي. وثانياً استفدنا من ولاية ترامب أن العنصرية نبتة سامة تسمم جسد أي مجتمع مهما أظهر الرقي ما لم يعمل على اجتثاثها من جذورها دون تهاون. وثالثاً علمنا أهمية الدعوة لتطوير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حتى لا تكون أداة بيد أي طرف يستغلها دون وجه حق ضد آخر وحتى لا تكون عبئاً على الأعضاء المؤمنين برسالتها السامية للتعاون في كل ما هو خير للإنسانية. والدرس الأخير وليس الآخر هو أنَّ لكل فعل رد فعل وتدخل أمريكا في الشؤون الداخلية لروسيا وغيرها ترد عليه هذه الأنظمة اليوم بأنشطة اختراق إلكترونية، كما نستفيد من هذا أن الدول التي ينعم الله عزّ وجلّ عليها بالخير قد يؤدي للضغينة في بعض الدول وإنفاقها مواردها في أنشطة خبيثة لإلحاق الضرر بها بدلاً من إنفاقها في الخير، فآفة النجاح الحسد.
نحن والبطة الثانية
الأصل في الاستلام والتسليم أن يترك السلف للخلف وحدة آمنة مطمئنة، ومن نكد الدنيا على أي مسؤول أن يرى سلفه ترك له أفخاخاً وألغاماً. وكما نلحظ فالرئيس المنتخب جو بادين هو الأصلح في الوقت الأصعب ونيته معنا أكثر صفاءً. ولكن سلفه خلّف له أُمة منهكة صحياً وقلقة اقتصادياً ومنقسمة سياسياً ومخترقة أمنياً ولولا حبل من الله وحبل من الدستور الأمريكي لبدأت في التداعي. ونظراً لهذه التحديات سينشغل الرئيس بإصلاح ما أفسده الدهر ومن غير الواقعي أن يعول عليه لتحقيق الكثير من وعوده المثالية داخلياً أو خارجيا.
رسالة الذي لا يعول عليه
واستلهاماً من سلطان العارفين محيي الدين بن عربي صاحب رسالة الذي لا يعول عليه، فإنَّ أي رئيس بطة عرجاء لا يعول عليه، ومن كثر أعداؤه لا يعول عليه، وأي رئيس مثالي ليس له تأثير لا يعول عليه، وأي حب قوة عظمى نشتريه بالمال لا يعول عليه، وأي منظمة دولية أو إقليمية مترهلة لا يعول عليها، وأي نظام رجعي حاسد حسد يقتل أنفسه لا يعول عليه، وأي شعارات سياسية وقول دون فعل لا يعول عليه، وأي فعل مبني على مصالح ضيقة لا يعول عليه، وأي تحالف مبني على العنصرية والعنصرية لا يعول عليه. رزقنا الله عز وجل جميعًا خير هذا العام وأنعم علينا بكل ما يعول عليه من رحمة وفلاح.