ناجي بن جمعة البلوشي
شكرا أيها السلطان الحكيم على كل جهد بذلته للرقي بهذا الوطن من قاع الجهل والفقر والجوع إلى معالي المعرفة والرخاء والعافية... اقرأوا معي الفاتحة على فقيد الأمة.
عندما نستذكر كل ما كانت عليه السلطنة قبل العام 1970م، فإننا نحكِّم العقل دليلًا على القياس والمقارنة للتحكيم والإقرار؛ فهو اللغة الوحيدة التي يفهما كل ذي لب حتى وإن كانت انتماءته الفكرية مختلفة مع الآخرين لكنها مناسبة له.
وسنذكر هنا 50 خطوة على سلم المعالي، حظي بها مجال واحد تحديدا، وليقس الآخرون على أي مجال آخر، لنحدد بدورنا مجالنا هذا بشخصية الإنسان العماني الذي تناقلته الظروف ليكون تائها بين الدول، مشردا عن وطنه، باحثا عن الأمن الذي يعنيه في عافيته، هو تائه ضعيف لا يمتلكُ أيَّ نوع من أنواع الأسحلة الحديثة المعنية بالرأسمال البشري، والمتمثلة بالمعرفة والعلم، أو مهارة الصنعة وإتقان الحرفة، لا يملك أي شيء سوى اسمه المغلوب على أمره في أحايين كثيرة؛ فهو في أي يوم درع من دروع القبيلة، أو كبش فداء للتناحر الإنساني على السلطة، أو عبد مملوك لا يملك أي نوع من أنواع الحرية حتى في اختيار أسماء أبنائه أو الموافقة على تزوجيهم، أو البيع والشراء في أملاك آبائه وأجداده، إنه رهن كل ظروف اللاشيء من الإنسان.
كان يعيش في دولة ليس بها شيء من معاني الدولة سوى سُلطة كل ذي سلطة، فلا قانون ولا تشريع ولا حقوق محفوظة، يحكُم عليه أي أحد بالقيد أو الحبس ظلما لا من شيء سوى أنه تعالى على أسياده عندما طلب منهم حقه من العمل والجهد الذي بذله أو أنه لم يجد شيئا يدفعه لفوائد الرهون والمعاملات الربوية.
يقتل الجهل الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من أبناء عُمان في كل معاركهم الداخلية للوصول إلى السلطة والجاه، وإذا وصل إليها مُحرِّضهم لم يغير شيئا في بلاده سوى أنه اعتلى تلك المكانة الرفيعة فقط. دون أدنى معرفة، يفسر المفسرون والمحللون الجهلة السلطويون بأن السحر والشعوذة سببٌ في موت العمانيين، وفي حقيقة الأمر أنهم ماتوا بسبب الأمراض الوبائية التي تمر على كل العالم حالها كحال هذه الجائحة التي نعيشها لكن المفارقات، هي أنهم يبثون الجهل في عقولهم ونفوسهم على أنها أفعال السَّحرة والمشعوذين، ليستحوذوا على أموالهم وحرياتهم بالقوة والقهر إثر بث مثل تلك الأكاذيب فيهم.
انقشعَ هذا كُله عندما اعتلى السلطان الراحل مقاليد الحكم ليبدل ويغير كل مفهومات الجهل إلى العلم والمعرفة، إلى الصحة، إلى القانون، إلى الحرية للفرد، إلى المعالي للبلاد وأبنائها بشخصياتهم المجردة وتطلعاتهم الفريدة، ولتسابق بهم الركب والعلو والسؤدد.
فهنيئا لك يا أيها الإنسان العماني الحر الطليق، تنتقد وتناقش وتطالب في مظلة القانون وبين أكناف التشريعات والنظام الأساسي، هنيئا لك، هنينا لحريتك، هنيئا لوجودك على أرض عمان الحافظة للحقوق والحريات الشخصية.
كن كما هيَّأ لك سلطانك الراحل، متقيدا بحرية شخصيتك وبكل مبادئ الحرية المحفوظة والمصانة والمكفولة بالقانون، واستمر بعطائك وإخلاصك لوطنك وسلطانك، لتصل إلى أعلى مما وصلت إليه وأفضل مما اكتسبه.
فالسلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- تعهَّد بهذا لك في خطابه للأمة، وما أنجزه في الأشهر الماضية دليل واضح وبراهن صادق على أنه ماض على نهج السلطان الراحل، ومكمل لمسيرته في نهضة عظيمة متجددة، لا يُكملها ولا يخاف عليها إلا أبناؤها.. فكن واحدا منهم في مكانك وموقعك.
حفظ الله عُمان وسلطانها وأبنائها، وكل عام وأنتم بخير.