جابر حسين العماني
يُواجه المُجتمع أزمات اقتصادية عالمية خانقة شكلت الكثير من التطورات والتحولات الاقتصادية التي أرهقت البلاد والعباد، مما سبب ارتفاعاً كبيراً لأسعار طاقة الكهرباء والماء والبترول والسلع الغذائية وغيرها، تلك التطورات والتحولات التي هي بحاجة ماسة إلى رؤية ثاقبة وتفكير عملي جاد من أبناء المجتمع للحصول على الحلول المناسبة التي تعين المجتمع وأفراده على تجاوز تلك الأزمات الاقتصادية منها والاجتماعية.
ومن الموارد الضرورية التي لابد أن يُؤمن بها المجتمع إيماناً مطلقاً في هذه المرحلة الحساسة هو ضرورة التعايش الحقيقي مع الواقع الاقتصادي المرير الذي يمر بالعالم البشري، فبدون التكيف والتعايش مع الأزمات لن يستطيع المُواطن تحسين أوضاعه الأسرية والاجتماعية، ومن أجل النجاح في تحقيق التكيف مع الواقع الاقتصادي والتحولات الراهنة لابد من العمل على تحقيق نقاط هامة أذكر منها الآتي:
أولاً - ترشيد الإنفاق واجتناب الإسراف: إن ترشيد الإنفاق يُعزز استدامة التنمية الاجتماعية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}، فمن الخطأ التفكير بعقلية الماضي لأننا نعيش اليوم الكثير من التطورات والتحولات التي طرأت على المُجتمع وأثقلته بالديون والمصاعب والآلام، لذا ينبغي على الجميع التفاعل مع قانون ترشيد الإنفاق والابتعاد عن موارد الإسراف، والتعامل مع غلاء المعيشة بحكمة وفطنة وذكاء، سواء على صعيد الفرد أو الأسرة أو المجتمع.
إنَّ الإنسان عندما يُصاب بمرض السكري فإنَّ الأطباء يقولون له: عليك أن تراجع برنامجك الغذائي بشكل جيد وتقتصد فيه لكي لا تزيد من نسبة السكر في جسدك ثم يُؤدي بك إلى الهلاك، كذلك هو حالنا اليوم يجب أن نراجع أوضاعنا الاقتصادية ونقتصد فيها لكي لا نتسبب في زيادة غلاء المعيشة أكثر مما هي عليه، فلابد من النظر جيداً في كيفية تقليل تلك الأزمات المجتمعية، وذلك من خلال ترشيد الطاقة الكهربائية والماء وموارد المعيشة بأشكالها المُختلفة، فبدون التعامل مع ترشيد الإنفاق لن يستطيع المجتمع وأفراده التخفيف من تلك الأزمات الخانقة التي فرضت على المجتمع وأثقلت عاتقه.
ومن الجميل جدًا استثمار التحولات الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع اليوم في تغير بعض العادات السيئة التي أرهقت المجتمع وأفراده، فلا داعي لصرف الكثير من الأموال في حفلات الزواج، ولاداعي لرفع مهور الزواج، وقد قال رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم": (أَقَلُّهُنَّ مَهْراً أَكْثَرُهُنَّ بَرَكَةً) وقال (فَأَمَّا المَرْأَةُ فَشُؤْمُهَا غَلَاءُ مَهْرِهَا)، ولا داعي لاستئجار الفنادق الغالية التي لا حاجة لها، كما لا داعي لشراء السيارات الفاخرة، والإكثار من الديون بسببها، بل لا داعي لصرف الأموال في غير محلها، لكي لا يعيش الإنسان حياة المبذرين الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز قائلاً: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.. واليوم هناك الكثير من العادات الاجتماعية التي لا تُقام إلا بصرف الأموال الباهظة المبالغ فيها، والتي ينبغي تغييرها مراعاة للأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يمر بها المجتمع، لذا يجب على كل فردٍ من أبناء المجتمع أن يعلم بأنَّ ترشيد الإنفاق أمر في غاية الأهمية، وهو حل عظيم وضعه الإسلام لحل الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ثانياً - السعي الجاد والمستمر لزيادة دخل الفرد في المجتمع: قد يواجه الكثير منِّا المتاعب والمحن والمشاكل والصعوبات الأسرية والاجتماعية في الحياة بسبب غلاء المعيشة، ومن أجل تخفيف تلك المتاعب الاقتصادية في عالم الأسرة والمجتمع ينبغي على الإنسان تحسين مصادر الدخل بشكل أفضل وأجمل وأكمل، ومن الطبيعي أنَّه لا يمكن ذلك إلا بتطوير المهارات واستغلال المواهب والطاقات من أجل الحصول على فرص عمل إضافية لتحسين الأوضاع المادية والمعيشية، وهذا يتطلب من الإنسان الاجتهاد والسعي الحثيث، بحيث يصرف أوقاته في ما يفيده وينفعه ويزيد من دخله، لذا يجب عليه أن يجتهد ويكد ويعمل بإخلاص لتوفير لقمة العيش الهانئة له ولأسرته، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
ثالثاً: التفاؤل والاطمئنان والرضا بقضاء الله: إن التفاؤل والاطمئنان والرضا بقضاء الله هو من أهم الطرق الإيجابية التي تقود الإنسان لمعرفة التعامل مع شؤون الحياة برمتها، وهي التي تجعل من الإنسان مستبشرًا دائمًا بالخير في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها، بل وتجعله من أصحاب الثقة بإمكانياته الذاتية قادرًا على تحقيق أهدافه ومشاريعه وأحلامه وذلك بمُواجهة الفشل والكسل والخمول والإحباط نحو حياة أفضل وأجمل.
إنَّ المتأمل في كتاب الله تعالى يرى الآيات التي تبعث روح التفاؤل والاطمئنان بل وتبشر الصابرين بالفرج والنجاح، ومن تلك الآيات قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} ففيها نرى الباري تبارك وتعالى وعد باليسر بعد العسر مرتين في نفس الآية، وهو تأكيد منه سبحانه وتعالى وضمان لحياة أفضل وأجمل وأحلى ولكن بشرط أن يكون الإنسان مؤمناً صابراً طائعاً لله تعالى.
أخيراً.. لابُد أن يعلم الإنسان أنَّ الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها ما هي إلا ابتلاءات واختبارات يمتحن بها في عالم الحياة الاجتماعية، لذا عليه أن يُحرك عقله وطاقاته التي أودعها الله فيه ويسعى بالحكمة والفطنة والدراسة لاجتياز ذلك الابتلاء والاختبار الذي وضع فيه، وعليه ألا يرضى إلا بالنجاح والتقدم والازدهار في سبيل المُساهمة في صناعة المجتمع الواعي الذي لابد من بنائه بناءً سليما بتعاون جميع أفراده.