◄ ضريبة القيمة المضافة سيشارك في دفعها الجميع بنفس النسبة
خلفان الطوقي
الشهور السبعة الماضية، والشهور القريبة اللاحقة ستحمل في طياتها قرارات وإجراءات وتعاميم لم يعتد الكثير منِّا عليها، بدأت بمراسيم سلطانية سامية، فيها تعيينات جديدة ودمج وإعادة تشكيل هياكل لمُعظم الجهات الحكومية، واتبعت بتعليمات وتوجيهات وتعاميم لإلغاء مشاريع مستقبلية وتأجيل بعضها، وتقليص ميزانيات مالية لأكثر من مرة، وإحالة بعض الموظفين والمستشارين للتقاعد، وإلغاء بنود كانت تُكلف خزينة الدولة مبالغ كبيرة، وإقرار حوكمة الشركات الحكومية ونقل ملف إدارتها إلى الجهاز العماني للاستثمار، وقبل عدة أيام صدر قانون تنظيم ضريبة القيمة المُضافة، وقبلها بعدة أسابيع تمَّ تطبيق ضريبة السلع الانتقائية والسلع المُحلاة ومشروبات الطاقة، وغيرها من قرارات وتعاميم تخص كل جهة حكومية على حدة.
هناك قبول من البعض واستياء من البعض من أي قرار أو تعميم يصدر، وهذا بديهي، فإنَّ مس حياتي وحياة أسرتي، فإنِّه من الطبيعي ألا اتقبله وانتقده، فعقل المتضرر لا يمكنه أن ينظر لبقية الزوايا أو باقي عناصر المنظومة، وستجد معظمهم يُردد هذه الجملة: ألم يجدوا حلاً غير هذا الحل؟ ولماذا تكون التضحية من المُواطن البسيط فقط؟ ولماذا لم يمس فلاناً أو علاناً أو هذه الجهة أو تلك؟ ألسنا كلنا مواطنين لنا نفس الحقوق والواجبات؟ وما شابهها من كلمات وجمل، وتبقى هذه التعليقات طبيعية ومُتوقعة.
لكن إن تجردنا قليلاً، ونظرنا للموضوع بموضوعية وحيادية، يمكننا أن نرى أنَّ القرارات قد طالت معظمنا إن لم يكن جميعنا، فعلى سبيل المثال، فإنَّ ضريبة القيمة المضافة سيشارك في دفعها الجميع بنفس النسبة، ومثال آخر على مستوى الجهات الحكومية، ويمكن أن نرى ذلك في تعميم تخفيض المصروفات من الموازنة المرصودة بنسبة 10%، فالقرار لم يستثني أحداً من هذه الجهات، وإذا مررنا على باقي القرارات والتعماميم ستجدها ربما على المستوى الشخصي مُؤثرة ومؤلمة، لكنها على مستوى الدولة، بديل لا يُمكن تفاديه، وواجب القيام به في أسرع وقت ممكن.
ضريبة القيمة المضافة وربما طرح ضريبة الدخل في الأفق القريب يراه الكثير منِّا ضررا، لكنه من الناحية الأخرى- موضوعي- ارتفع الدين العام إلى أكثر من 80% من نسبة إجمالي الناتج المحلي قبل نهاية العام الحالي واستمرارية ارتفاعه في الأعوام القادمة أكثر "ضررا وألما" لكامل الاقتصاد العماني خاصة والدولة بشكل عام، وحوكمة الشركات الحكومية ودمجها وإلغاء بعضها وإعادة تقييمها بكل تفاصيل عملياتها الآن هو أقل ضررا من وصول ديون الشركات الحكومية لما يقرب من 9 مليارات ريال عُماني، بالإضافة إلى استمرارية الدعم من خزينة الدولة وبشكل سنوي، تضرر بعضنا من دمج المؤسسات الحكومية أو إعادة هيكلتها الآن لهو أقل ضررا من استنزاف خزينة الدولة في مصاريف لا تضمن ضبط الصرف وجودة إدارة الموارد المتاحة أو تعظيم العوائد المالية لخزينة الدولة، وقس على ذلك العديد من القرارات التي صدرت في الأشهر الماضية.
استمرارية فيروس كورونا وطول أمد تذبذب أسعار النفط جعلت معظم دول الخليج ومن ضمنها السلطنة تتخد قرارات أحلاها مر، وللإنصاف قد تكون بعض القرارات قاسية لبعض الوقت، لكن علينا أن ننظر للجانب الإصلاحي للدولة الذي سوف يساهم في تجويد إعادة خريطة الدعم ومنحه لمستحقيه، والمحافظة على الخدمات المقدمة من صحة وتعليم وإسكان الضامنة لتنمية مستدامة، فلعل هذه القرارات قد نراها على المدى القصير ضارة، لكنها نافعة على المدى المتوسط والطويل لنا ولأجيال المستقبل من بعدنا بإذن الله، فلنأمل خيرا.