أوهام بني العرب

غسان الشهابي

في كل دورة انتخابات رئاسية أمريكية -تحديداً- تبدأ الهمهمات بين العرب ترتفع شيئاً فشيئاً مع قرب الاستحقاق، بين مؤيد ومعارض وبينهما متفذلك، ولا عجب؛ فالولايات المتحدة مركز الاهتمام وقاطرة الاقتصاد وقائدة العالم، شئناً أم لم نشأ، وما يحدث فيها يؤثر علينا ولا شك. ولكن في هذه الانتخابات أرى أن الموضوع ليس حماساً عربيًّا من الدهماء وأرباع المثقفين، ولكن انتقل إلى الدوائر السياسية في رمي ثقلها في كفة أحد المرشحين، وتكاد تصرح -لولا بقية حياء لا تزال باقية- أنَّها تدعم مرشحاً دون الآخر. وبطبيعة الحال، فإنَّ الجوقة الإعلامية الرسمية تؤمّن على ما ينثّ من أصحاب الفضل وأرباب النعم، يلوكون المبررات نفسها.

ليس خافيًا هذا "الهيام" غير المبرر من بعض البلاد العربية في بقاء الرئيس ترامب فترة رئاسية أخرى؛ لأنَّ المنطقة العربية رأت في عهد بارك أوباما الغدر بأن حرض على "الربيع العربي"، وقاد الفوضى والدمار الذي لا يزال يعمل في الكثير من هذه الدول. كذلك، لكي يذل إيران ويضغط عليها، وليس من المستبعد أن يبيدها بحرب شاملة بالتعاون مع العدو الصهيوني لكي يعود الخليج العربي لينعم بالهدوء، وربما في طريق العودة يصفع تركيا ليؤدبها، ويبيد الإخوان المسلمين عن شأفة أبيهم؛ وبذلك تظهر على شاشة "الحلم العربي" عبارة: The End كما يرجو البعض كما في الأفلام الأمريكية ذات النهايات السعيدة.

هذه الأوهام التي تذكر بالتنابلة الذين يرجون أن يأتي من يحقق أحلامهم نيابة عنهم، ليست من المنطق في شيء أبداً. فقيادات الولايات المتحدة باختلاف الحزبين، تلاعب إيران من أجل لعب دور الفزاعة، فتفزع دول المنطقة وتدرّ أموالاً للحماية، وإيران بإصلاحييها وغلاتها شنّ إيراني يوافق طبقه الأمريكي والإسرائيلي على السواء، فإذا ما تغيَّر شيء تغيّرت التكتيكات وبقيت السياسات العريضة هي نفسها على ثباتها، فلا إصلاحيو إيران أرجعوا الجزر الإماراتية، ولا مُتشددوها شنوا حربًا على المنطقة. أما الأعمال الاستخباراتية فلم تتوقف يوماً.

الحال نفسها لدى الأحزاب السياسية في الكيان الصهيوني؛ فمن يأمل في وصول حزب معين إلى السلطة لأنه أفضل من غيره، كمن يتوسَّد فكّ تمساح لينام ويستظل بفكه الآخر، فكل الأحزاب لديها برنامج قائم جذره على التوسع في المستوطنات، والتهويد، واقتلاع الفلسطينيين، وتركيع الدول العربية لتأتيها سعياً، وتوفير الأمن لشعبها من هجمات داخلية، أو حتى خارجية، وإن باتت الخارجية شبه مستحيلة، ولكنها تبقى عبارات رنانة لدى الناخب هناك.

هذه الثوابت في الدول الثلاث يعرفها المبتدئون في العلاقات الدولية، ولكثرة تكرارها ما عادت تحتاج إلى فتح الكتب الدراسية لفك رموزها، فيما عدا "ربعنا" الذين لا يزالون يحلمون ويأملون ويتمنون، وعند انتهاء الفترة الرئاسية، يبدأون السعي نفسه من البداية وكأن الدروس عصيّة على أن تنبههم إلى أن من لا يستفيد من التاريخ مكتوب عليه أن يعيشه مرة تلو الأخرى، يقع في نفس الأخطاء، ويبدد الفرص والأموال والسنين في انتظار ما لن يأتي.

-------------------------

خاتمة:

أثناء شُروعي في كتابة هذا المقال، رأيت صورة تجمع ثلاثة رؤساء أمريكيين: بيل كلينتون، جورج بوش الابن، باراك أوباما، أي ديمقراطييْن وبينهما جمهوري، والتعليق يقول: هؤلاء غزوا تسع دول عربية وإسلامية، وقتلوا 11 مليون مسلم، ولم يوصفوا بالإرهاب!