تربة الأفكار والحصاد المر

 

فوزي عمار

الأفكار مثل النباتات كائنات حيَّة لا تنبت في الفراغ بل في بيئة مناسبة لنوع النبات؛ فالورود لها تربتها والنباتات الخشنة مثل الصبار لها بيئتها؛ فالفكرة تقود إلى العمل وهي الأساس النظري له.

كما أنَّ الشعوب بعضها يهتم بالأفكار ويعتني بها والبعض يهملها ولا يعيرها اهتماما؛ فالعناية بالنباتات ثقافة متجذرة في شعوب دون أخرى. ولذا نقل الفكرة خارج بيئتها أشبه بنقل النبتة خارج تربتها لا تنمو ولا تكبر بل تذبل وأخيرا تنتهي وتموت. ذلك تماماً ما حدث لنقل أفكار مثل الديمقراطية التي نشأت في تربة العصر الصناعي ولم يُجد نقلها للعصر الرعوي رغم اكتشاف النفط الذي أسس لاقتصاد ريعي وليس اقتصاد معرفة، فاقتصاد المعرفة يقوم على R& D وعلى سوق يحول الفكرة إلى منتج يباع في الأسواق وليس نظرية يحفظها الطالب ثم ينساها بمجرد حصوله على الشهادة العلمية التي تحولت إلى مستوى اجتماعي أكثر منها شهادة بقدرة الطالب على البحث والتطوير وحل مشاكل البيئة حوله التي من أجلها تأسست المدارس والجامعات.

وبدلاً من إنتاج قوالب متشابهة من خريجي المدارس والجامعات الذين تصرف عليهم المليارات لتعليمهم ومليارات لإيجاد عمل لهم بدلاً من أن يصنعوا هم الثروة ويؤسسوا القيمة المضافة وتراكم الثروة وإدارة موارد البلد إدارة جيدة.

لقد عاش العرب تاريخياً في بيئة مختلفة تماماً، تربة يعيش ويترعرع فيها الكلام واللغة والبلاغة والشعر، فقد كان سوق العرب الكلام والشعر مثل سوق عكاظ. ورغم أن القرآن خاطب العرب بلغتهم وبدلاً من فهم القرآن واحتواء الإسلام لهم الذي ربط العبادة بالإيمان والعمل الصالح في مواضع عدة من القرآن الكريم إلا أنه ظهر لنا قوم هم من قاموا بالاحتواء للدين وأصبحوا يبيعون الكلم بثمن قليل وتشكل الخطاب الديني الذي ابتعد عن الدين القويم وآيات الله المحكمات إلا من رحم ربي.

قال تعالى: (أفلا تتفكرون) الأفكار موجودة ولكن تحتاج لتربة وبيئة لها ومناخ تعيش فيه وهو مناخ الحرية حتى يستفيد منه من يعمل عقله تفكيراً ليقتنص هذه الأفكار التي تسبح في هذا الكون؛ فالفكرة تبدأ بالإدراك والحاجة للتفكير الصحيح في البيئة الصحيحة. كما أن الانفتاح والتلاقح الفكري ينتج فكرًا هجينًا إيجابيًا على غرار ما حدث لإنتاج العرب بعد فتح الأندلس مثل فكر ابن رشد التنويري. وبدلاً من نقل أفكار من بيئة أخرى لا تتناسب مع الفكرة فلا يمكن أن تنمو الفكرة وتعيش فيها. 

وبسبب كل ذلك نجني اليوم الحصاد المر من غياب تربة العلم والفهم الخاطئ للمفاهيم من الدين والعلم إلى الديمقراطية والحداثة والدولة المدنية.