قصر الحصن العامر.. هل من عودة؟!

عوض المغني

burayan008@gmail.com

تعود بي الذاكرة إلى أحد الأيام الصائفة في تسعينيات القرن الماضي، وكانت من أواخر المناسبات الشعبية التي أذكرها، تدخل من السدة الكبيرة (البوابة) لقصر الحصن العامر؛ حيث كانت المناسبة أحد الأعياد الدينية.

وكان المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- على المنصة المطلة على ساحة ميدان 23 يوليو بالحصن، والذي كان يُقابله سوق الحصن القديم الذي تأسس في عهد السلطان تيمور، وسمِّي بسوق ظفار؛ وقد درج جلالته على مشاركة شعبه الأفراح الوطنية، وغيرها في ساحة قصر الحصن.

لم أرَ جلالته -رحمه الله- مباشرة، سوى أني لمحته مرتين؛ الأولى: في تلك الصائفة عندما كان يتوسط الشرفة الرسمية؛ فلا تخطئه العين بدشداشته السوداء وبياض لحيته الكريمة، والمرة الثانية وهو يهم بالدخول للقاعة في زيارته التاريخية لجامعته في 2 مايو 2000؛ فقد كنت أحد طلابها.

من قصة الحصن العامر نستشفُّ العلاقة الحميمة بين القائد والشعب، ومع مرور ذكرى 23 يوليو نستذكر هذا الصرح؛ فقد خرجت منه بشائر النهضة المباركة الحديثة لعُمان بقيادة أعز الرجال وأنقاهم، ومنه بدأت مسيرة البناء والتحديث.

فالقصر المغطَّى بالحجارة الجيرية المصقولة، وأسواره الحصينة، لم يكن حصينا على المواطن العادي، ولم يكن يمنع الاقتراب منه ومن حراساته الشامخة بلباسهم التقليدي الدشداشة والمحزم والبندقية. فلا زلت أذكر كيف تحولت المسطحات الخضراء المحيطة بالحصن لملاعب، كما لا يمنع مرورنا بجوار أسواره الكبيرة المنيعة، بينما يكتفي الحرس بالوقوف ومُراقبتنا فقط دون إبداء أي امتعاض أو صِلف، وحتى جلالته -طيب الله ثراه- تخرج مواكبه وتعود دون أن تلتفت لأولئك الفتية المرابضين بالقرب من قصره العامر، فكأنه -رحمه الله- كان يتغاضى عنا بتغاضٍ أبوي لا بحاكمية تفترض الأمر والسمع والطاعة.

هذا، إضافة إلى سهولة الدخول إلى ساحة الحصن لأداء مختلف الصلوات في جامع بحر النور بالحصن.. هذا الحنين صادق عليه تقرير نشره محمد بن أحمد التاجر المؤرخ للكثير من تاريخ الدولة البوسعيدية وللأحداث في محافظة ظفار، حيث إنَّ المشاركة السلطانية للمواطنين في مختلف المناسبات، هي عادة متأصلة لدى سلاطين عُمان، وكانت لها بروتوكولات خاصة، لدى دخول قصر الحصن العامر وبقية المرافق المحاذية له، وكان مُتعارفا عليها منذ أكثر من عهد، وهي سمة اصطبغت بها المؤسسة السلطانية، وكان عهد جلالة السلطان قابوس -رحمه الله- شاهدا على ذلك لطول عهده وللأحداث الموثقة لها.

فهل لنا عَودة؛ بحيث يستأنس الشعب بقيادته التي لطالما أحبها، وبادلها المحبة، متوجين بذلك العلاقة المتأصلة في عُمان الخير بين القيادة والشعب؟!

تعليق عبر الفيس بوك