الطليعة الشحرية
أيها السادة والسيدات... مرحبًا بكم في العرض الذي لن تجدوه في نشرات الأخبار، ولا في مؤتمرات القمّة، ولا حتى في مذكرات السياسيين المزيفة، مرحبًا بكم في عالم... لا يُحكم بالدساتير، بل بالخيوط، عالم تُدار فيه معارك الخير والشر، لا بسيوف ولا مبادئ، بل بـ "الريموت كنترول" و"ملفات فيديو محفوظة في خزانة مشبوهة "، هنا على خشبة "مسرح الخيوط"، لا يوجد أبطال، بل دمى ترتدي أربطة عنق وتخطب عن الأخلاق وهي محاطة بالفضائح.
قادة يتبادلون القُبل أمام الكاميرات... والتهديدات تحت الطاولة.
أمراء يتبرعون للملاجئ في النهار... ويزورون جزر الخطيئة في الليل.
علماء، اقتصاديون، جنرالات، وحتى الرهبان... كلّهم مربوطون بخيط ما، متصل بمركز كبير يديره... من؟ آه... سنكتشف لاحقًا.
في هذا العرض، لا تصدّقوا من يصرخ: "العدالة ستنتصر!"
فهو على الأرجح دمية أخرى... نُسيَ فقط أن يربطوا فمه بخيط!
تدير أفواه القردة الأقنعة في الظل في هذا العالم، كما تُروى، ظل "جيفري إبستين"، ذلك «المليونير المثير للريبة»، يتحرّك كدمية ذكية متصلة بخيوط خفية، تقود حفلات يُزعم أنها "جزيرة الفجور" لاستدراج المشاهير والرؤساء والعلماء، وتوثيق فواحشهم لاستخدامها في الابتزاز السياسي. هدفٌ عبقري: صناعة الفوضى الأمنية والسياسية عبر بث الخوف والإذلال، في عالم مليء بالأكاذيب المُنمّقة والمثالية السياسية الزائفة، يبرز اسم "جيفري إبستين" كأنه نكتة سوداء لم يضحك منها أحد بعد، رجل أعمال؟ مستثمر؟ أكاديمي؟ لا أحد يعرف، لكن ما نعرفه جيدًا أنه كان مديرًا لفندق "الانحلال العالمي"، ومهندسًا لشبكة علاقات تبدو كأنها خارجة من روايات الجاسوسية الرديئة، فقط الفرق أنها حقيقية، موثقة، ومُفجّرة لمستقبل سياسيين وقادة عالميين حين تصبح الفضيحة فنًّا من فنون الحكم، وهكذا حرك "جيفري ابستين "عنكبوت الجزيرة" دمى السياسة وقادة العالم وخدم المشروع الصهيوني.
الجزيرة: الجنة المنحرفة التي بُنيت على أسرار الملوك
في إحدى الزوايا المظلمة من الكاريبي، تقع جزيرة "ليتل سانت جيمس"، حيث لا تُقام حفلات الشواء، بل تُشوى الأخلاق نفسها، الجزيرة لم تكن فقط ملاذًا جنسيًا، بل كما يُزعم، كانت مصنعًا للإدانة المصوّرة، حيث تُقدَّم الفتيات القاصرات كـ"خدمة ضيافة"، وتُوثق الجلسات، لا لذكريات جميلة، بل كـ"مواد ضغط" جاهزة للاستعمال السياسي والاستخباراتي. أسماء من كل نوع، أمراء بريطانيون، رؤساء سابقون، قادة أجهزة، نجوم هوليوود... كلهم مرّوا من هناك، وبعضهم ربما لم يعرف أنه دخل إلى "فخ الكاميرا المخفية".
"ليتل سانت جيمس"، الجزيرة الصغيرة، لكنها أكبر من كثير من العواصم عندما يتعلّق الأمر بالنفوذ، لم تكن مكانًا للراحة، بل مصنعًا لتسجيلات تُستخدم كورقة ضغط على كبار الشخصيات العالمية. حسب العديد من الشهادات والوثائق، استُدرج إلى هناك رؤساء، أمراء، علماء، نجوم، وحتى قادة أجهزة أمنية... ليغرقوا في مستنقع من العلاقات المحرّمة مع قاصرات، ثم يُوثق كل شيء بالفيديو. لكن السؤال الأهم: من كان خلف الكاميرا؟ ومن كان يحتفظ بالأشرطة؟ ومن يُقرّر متى تُستخدم؟
الريّا والعمى: جاسوس أم مجرّد خيال؟
هل "إبستين" مجرد ثري داعر أم عميل للموساد؟ تقول إحدى أشهر النظريات، أن "إبستين" لم يكن مجرّد منحرف ثري، بل صنيعة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد، الذي استخدمه كـ"طُعم إنساني" لصيد النخب العالمية. صرّح عميل استخبارات إسرائيلي سابق، "أري بن مناشيه"، أن "إبستين" أُعدّ لهذا الدور منذ الثمانينيات، وارتبط بعلاقات مع "روبرت ماكسويل" المالك لإمبراطور "ليبني" للنشر، ووالد شريكته غيلين ماكسويل، التي كان يُقال إنها "مديرة العمليات".
الفكرة بسيطة؛ اجمع شخصيات مهمة، قدّم لهم فتيات مغريات، سجّل كل شيء، واحتفظ بالشريط حتى تحتاج تمرير قانون أو إسكات صفقة نووية، عبقرية سوداوية تستحق جائزة نوبل في النذالة.
إذا كانت هناك شبكة "دمى" حقيقية "إبستين" كمؤدٍ رئيسي وكل العملاء الذين زاروا عنكبوت الجزيرة، دمى تُحرك خيوطهم جهاز الموساد ويطوعهم لصالح الحركة الصهيونية، ولكن من يجرأ على طرح السؤال الصريح هل "جيفري إبستين" الأمريكي جاسوس إسرائيلي؟
تزعم بعض المصادر أن "إبستين" كان ينفّذ عمليات "honeytrap"، حيث يُقدّم فتيات القاصرات للنخب العالمية، كأداة ضغط لتمرير أجندات إسرائيلية. وقد المح "أري بن مناشيه"، في كتاب Epstein: Dead Men Tell No Tales" "، إلى أن "إبستين" يدير الشبكة بأدقّ تنظيم وأنه لم يكن وحيدًا بل خُلق ليكون "الطُعم المثالي" في عملية تجسس استخباراتي، مدعومة من الموساد.
علاقاته الغريبة، ثروته غير المبررة، صموده بعد فضائحه، كلها علامات تشير إلى أنه لم يكن يتحرّك بإرادته، بل بتكليف.
ترامب... والذاكرة الانتقائية
لا يمكن تجاهل العلاقة بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وإبستين، وظهرا معًا في صور، يضحكان في حفلات، ويردد ترامب في أحد تصريحاته القديمة: "إبستين يحب الفتيات الصغيرات... تمامًا مثلي". نعم، قالها علنًا، وضحك بعدها، لكن حين تفجّرت الفضيحة؟
تحوّل "ترامب" فجأة إلى مصاب بـ"فقدان الذاكرة السياسي"، وبدأ بنفي علاقته به. الأكثر إثارة، أنه في عهده، رفضت وزارة العدل التحقيق بعمق في القضية، وتم التستّر على ملفات حرجة، بينها ما قيل إنه "قائمة العملاء"، التي تضم أسماء من نخب العالم. هل كان هذا لحماية الدولة من الهزة؟ أم لحماية أسماء يعرفها جيدًا؟ أم لحماية نفسه؟ الجواب يضيع بين صخب الإعلام، وضباب "أسرار الأمن القومي".
قال "كارلسون" -وهو أحد أشهر الإعلاميين الأمريكيين- في فعالية "تيرنينغ بوينت: "إن من حق الأمريكيين أن يتساءلوا: لصالح من كان يعمل إبستين، وكيف تحول من مدرّس في أواخر السبعينيات، بدون شهادة جامعية، إلى مالك لجزيرة وطائرات خاصة وأكبر قصر في مانهاتن بنيويورك؟، ملمحًا إلى إن فضيحة "جيفري إبستين" كشفت عن أنه كان يعمل لصالح أجهزة استخبارات ليست أمريكية.
وأشار الإعلامي الأمريكي إلى أنه نظرا لغسيل الدماغ الذي يتعرض له الأمريكيون، سيظن الناس أن هذه الأسئلة تعبير عن الكراهية أو التعصب ضد إسرائيل، نافيا أن يكون الدافع وراء ذلك هو الكراهية، ومؤكدا أن هذا النوع من الأسئلة يعد بديهيا ومن حق أي مواطن أمريكي أن يتساءل.
انتحار "إبستين" على طريقة أفلام "كوينتن تارانتينو"
انتحر "إبستين" داخل زنزانته في نيويورك، كانت كل الظروف مريبة؛ الكاميرات "توقفت"، الحراس "غفوا"، والسرير "انهار"... تمامًا كما يحصل في أفلام الجريمة الرخيصة. وخرج علينا البيان الرسمي: "انتحر"، تلك النهاية التي لم تقنع ملايين المتفرجين، والنظرية الأوسع انتشارًا تقول إنه تمّت تصفيته كي لا يفضح أسماء كبرى في دفتر أسراره، ومنذ ذلك اليوم، لم يُفتح الملف رسميًا، ولم تُنشر قائمة الأسماء، ولم نعرف من زاره في أيامه الأخيرة.
كل ما سبق لا يقودنا إلى نظرية المؤامرة بقدر ما يكشف عن منظومة وشبكة عنكبوتية العالمية للابتزاز عرابها "جيفري إبستين" مسرحها جزيرة الفجور "ليتل جيمس" وخيوطها ممتدة بإحكام إلى غرف الحكومات، نحن أمام شبكة تخدم مصالح دول وأجهزة استخبارات، تستخدم الجنس كأداة، والفيديو كقيد، والعار كعملة سياسية.
صراع النفوذ تحت عباءة الصهيونية
في زوايا السياسة الأمريكية المظلمة، اشتعلت في الآونة الأخيرة حرب كلامية غير مباشرة بين إيلون ماسك ودونالد ترامب، عنوانها الظاهر "الخلافات الشخصية"، لكن في عمقها يدور الملف المحظور: جيفري إبستين.
فبعد تصاعد الانتقادات المتبادلة بين الرجلين، أُثيرت تسريبات ومضايقات على وسائل التواصل والإعلام تشير إلى محاولة كل طرف تشويه صورة الآخر عبر ربطه بشبكة إبستين الغامضة. ماسك، الذي طالما أنكر أي علاقة بإبستين، لمّح عبر تغريدات مبطّنة إلى أن "البعض" -في إشارة واضحة لترامب- كان قريبًا من إبستين بدرجة تستحق التحقيق، لا النفي.
بينما بدأ أنصار ترامب يلوّحون بنظريات مضادة تتهم ماسك بمحاولة السيطرة على الرأي العام وتوجيه الأنظار بعيدًا عن صلاته بنخب السلطة، هذه المواجهة، وإن لم تتفجر علنًا بكامل قوتها، تحمل في طياتها صراع نفوذ بين ملياردير يتبنى "الشفافية الرقمية" وبين رئيس سابق غارق في ملفات مغلقة، وكأن إبستين -حتى بعد موته- ما زال يشعل المعارك بين الأقوياء، خالقًا خطوط نار جديدة بين من يملك المال ومن يملك الأتباع، بينما يظل السرّ في خزانة أحدهم، ينتظر اللحظة المناسبة ليُفتح.
السؤال ليس لماذا انتحر "إبستين"، بل لماذا كان يملك كل هذه السلطة؟ من كان يحميه؟ ومن كان يستخدم أشرطته؟ وهل إسرائيل بريئة فعلًا؟"، وهل تواطأت المدعية العامة "بام بوندي" في إخفاء القائمة الكاملة للأسماء، بزعم أن "إبستين"، "لم يكن يملك عملاء"، في حين تشير مصادر إلى وجود أكثر من 300 جيجابايت من البيانات المخفية.
أُستخدم "إبستين" كأداة للابتزاز السياسي والإعلامي العالمي، لقوة تحرك الخيوط الدمى من وراء الستار بتوثيقها حفلات المجون والعربدة، ولعلّ الأسوأ أن كثيرين ممن زاروا الجزيرة، ما زالوا اليوم على مناصبهم، يشرّعون القوانين، يوقّعون المعاهدات، ويتحدّثون عن "القيم".
العالم يُدار بـUSB الخطيئة
ربما مات إبستين جسديًا، لكن نظامه -شبكة الابتزاز، سلاح التسجيلات، تواطؤ السياسيين، وصمت الأجهزة- لا يزال قائمًا، والأشرطة؟ في مكان ما، محفوظة في خزنة أو في "كلاود" غير معلن، تنتظر اللحظة المناسبة لتكون ورقة ضغط أخرى. وإلى حين تُكشف الحقيقة، سنبقى نحن -الشعوب- نشاهد المسرحية، نصفّق عندما يُقال "انتحر"، ونغمض أعيننا بينما تتحرّك الدمى على المسرح، تبتسم، تتظاهر بالفضيلة... وتحمل وصمة الفجور في جيب سترتها.
نحن أمام رواية ليست فقط عن شخص منحرف، بل عن منظومة تدير النفوذ عن طريق الفضيحة. وكلما تراجع التحقيق، زادت الشكوك، وتضخمت الظلال حول "من يُخفي ماذا؟ ولماذا؟".
ويبقى السؤال معلقًا: هل كانت جزيرة إبستين، فعلًا، رأس جبل الجليد لمشروع استخباراتي جبار؟ أم أن العالم ببساطة فاسد بما يكفي ليحمي أسوأ أسراره بوجه بريء وكاميرا مغلقة؟
وإذا كان إبستين قد مات، فهل ماتت شبكته معه؟ أم أن هناك من يواصل العمل، من خلف ستائر جديدة، على مسرح ما زال مظلمًا، ويُدار بصمت… وبـ"ملف ZIP" مملوء بالعار؟