الاتحادات الرياضية.. وعجائب الإدارة!

إسحاق البلوشي

Isehaq26927m@gmail.com

أحاول في هذا المقال أن أقدم نظرة متأملة فاحصة لإدارة المؤسسات الرياضية "الاتحادات الرياضية" فقد قضيت فيها ردحا من الزمن ما يقارب ربع قرن بين أروقتها وزواياها من جهة، وبين اجتماعاتها وفعالياتها من جهة أخرى، أتلمس ولو من بعيد خيوطها وما الذي أوصلها إلى هذا الحال، متسائلا إلى أي مدى استطاعت إدارات الاتحادات الرياضية التقدم وتكوين الميزة التنافسية لها بجانب أقرانها من الإدارات الأخرى، وهل استطاعت هذه الإدارات إيجاد صيغة واضحة للعمل الرياضي وتحديد أهدافه، أم أنها  تدير العملية الإدارية بطريقة الفعل ورد الفعل؟

فعندما نقيم ميزان العلم لا نجد الإدارة في المؤسسات الرياضية إلا بائسة يائسة، مجردة من معانيها لا هم لسدنتها ولا مبتغى إلا تجديد الجدران، وتنسيق الألوان، وإقامة الولائم على هامش لقاءاتها التي اتخمت العقول قبل البطون وأفسدت الأفهام قبل الأبدان. وللوقوف على هذه الإشكالات استعرض ركيزتين أساسيتين لنجاح المؤسسات.

أولا: البناء التنظيمي ومدى أهميته وأهمية الهياكل التنظيمية للمؤسسات، حيث إنها تعتبر الأداة الإدارية الضاربة في القضاء على المعوقات والتحديات التي تواجة العملية الإدارية من حيث تقسيم الإدارات ومستوياتها وتأطير العلاقة بينها والرقابة عليها، وكذلك رسم خطوط السلطة ومنح الصلاحيات، فمتى ما تمكنت هذه المؤسسات من بناء هياكلها التنظيمية بناء صحيحاً يتوافق مع أهدافها الأساسية ويضمن في ذات السياق سلاسة ومرونة الاتصال الداخلي والخارجي للمؤسسة، تمكنت من التكيف ومواكبة التطورات المتسارعة والتعامل معها بدقة متناهية في تسيير العملية الإدارية.

فهل استطاعت الاتحادات الرياضية وإداراتها طوال الثلاثين عاما الماضية أن تتلمس ولو من بعيد أهمية بناء الهياكل التنظيمية لها البناء الصحيح  والفوائد الكبيرة التي ستترتب على ذلك، أم أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوقت! وافتراض وجودها يخلق تساؤلا آخر، لماذا لا نرى تطورا إداريا ملموسا وعملا مؤسسيا متقنا ينعكس بدوره على القرارات الإدارية والفنية لهذه المؤسسات وتحقيق أهدافها يشهد لها الشارع والإعلام الرياضي، ويلغي في المقابل الحاجة إلى الاجتهادات الفكرية العظيمة التي يجود بها بعض الأعضاء في هذه المؤسسات، دون علم ولا اختصاص، فقط لأنه عضو منتخب شفع له المنصب! فأصبح خبيراً ومفكراً بين عشية وضحاها، يدلي بدلوه في كل شيء، لاغياً بفهمه معنى الاختصاص والمبادئ والنظريات التي جاء بها علماء وفلاسفة الإدارة مرسخا بذلك العشوائية وطريقة الإدارة بالفعل ورد الفعل، وإنجاز اللحظة الأخيرة.

ثانيا: التنظيم الإداري والقيادي الذي يعتبر المحور الأساس للنجاحات وتحقيق الأهداف والوسيلة الأمثل لحل إشكالات الرقابة والتقييم التي بلا شك هي لب العملية الإدارية ويجب إحكامها أيما إحكام فبها يتحدد مدى استقامة وفاعلية أدوات التنفيذ ويتضح مسار الإنجاز والذي من خلاله يتم تقويم وتصحيح المسار.

فهل توجد بالاتحادات الرياضية إدارات فاعلة تمتلك الأدوات الحقيقية للتغيير والتطوير، وهل يوجد بها أعضاء أكفاء يستطيعون تلمس إشكالات الرقابة والتقييم وإدراك أبعاد الفلسفة الإدارية والأنظمة واللوائح، وهل يوجد بها من يتمتع بالقدرة على الدراسة واستخدام أدوات التحليل العلمي لاستخلاص النتائج ووضع تنبؤات المستقبل، والتي في اعتقادي هي أهم ما يبنى عليه استراتيجيات وخطط الإدارة الرياضية؟ يتساءل الكثيرون لماذا لم تصل إدارات الاتحادات الرياضية لتصبح أنموذجا إداريا وفكريا يحتذى به وتكون في مصاف الإدارات الرياضية المتطورة يتساءلون.. أين الخلل؟

أليس من وظائف الإدارة التخطيط الدقيق ووضع استراتيجات واضحة ومتابعة تنفيذها والرقابة عليها لتحقيق أعلى مستويات الكمال المهني؟ أليس من معاني الإدارة تحقيق التكامل الإنساني والتناغم البشري داخل المنظومة ونبذ كل ما من شأنه تحقيق التكامل والتناغم الجشع للمنافع الشخصية والمصالح الخاصة، فتتشكل مؤسسة داخل المؤسسة وتظهر بعض الممارسات الإدارية الرعناء التي لا يفهم لها معنى فهل أدركت هذه الإدارات هذه الوظائف والمعاني؟

إذا ما أرادت هذه الإدارات الإجابة عن هذه التساؤلات وإدراك هذه الحقائق يجب عليها أن تعيد النظر في فهم ماهية الإدارة وفلسفتها فهما دقيقا يؤخذ من أصوله كعلم له من النظريات والمبادئ الحية المتجددة. لأن الإدارة إنما هي المعنى الذي يكون في العملية الإدارية وإتقان الذين يديرونها وكفاءتهم في تطبيق نظرياتها ووظائفها، وبالمستوى الذي يفهم به هذا المعنى يكون أثرها وتأثيرها.

أستشهد هنا بمثالين عن الإشكالات الموجودة للتنظيم الإداري في المؤسسات الرياضية، عندما تفرز الانتخابات أميناً لصندوق المال في هذه المؤسسات ليس له علاقة بالعلوم المالية لا من قريب ولا من بعيد سوى أنه مرشح من أحد الأندية حاز على المنصب، ولا يدرك أبجدياتها كعلوم، كيف له أن يعي أبعادها ويعالج إشكالاتها داخل المؤسسة، كيف له أن يقدم قراءة مالية متخصصة ودراسة تحليلية لمجلس إدارة المؤسسة عن الوضع المالي ومناقشتها؟

أو عندما تفرز الانتخابات أمينا للسر في هذه المؤسسات يقود دفة العمل الإداري والمسؤول المباشر الأول عن الدوائر والأقسام إن وجدت! وهو بعيد كل البعد عن العملية الإدارية وفلسفتها كعلم ولا يعنيه من الأمر شيء سوى متابعة الحضور والانصراف التي يتلذذ بذكرها، ويترنم طربًا عند سماع لفظها ظناً منه أنها أعلى مراتب الفهم الإداري، لا هم له إلا تنسيق الملفات المخملية الزاهية بالألوان للاجتماعات وحشوها بالأوراق، فما أسرع ما ينكشف تجويف مضامينها من امتلاء أشكالها. كيف يكون مثل هذا أمينا لسرها.

كل هذه الإشكالات إذا ما أرادت المنظومة الرياضية معالجتها، على الجهة المسؤولة عن اتخاذ القرار إعادة النظر في بناء الهياكل التنظيمية لهذه المؤسسات واللوائح الإدارية الأخرى، وآلية الترشيحات والانتخابات ووضع معايير متفاوتة لاختيار الأعضاء للمناصب تتوافق مع المهام والاختصاصات الموكلة اليهم، وتحديد سقف الترشح للدورات، وعدم الجمع بين المناصب، لتتمكن هذه المؤسسات العمل سوياً مع توجهات الحكومة لإيجاد إدارات رشيقة للمؤسسات تستطيع التجديد ومواكبة المتغيرات والتطورات المتسارعة والتعاطي معها باحتراف.