انتخابات الرياضة.. والمعادلة الغريبة!!

إسحاق البلوشي

Isehaq26927m@gmail.com

تعدُّ اللوائح الانتخابية الشاهدَ الأقوى على مدى توافر الشروط الموضوعية المطلوبة لامتلاك حق التصويت للناخب، والأحكام الكفيلة لضمان التنافس الشريف بين المترشحين.. وأُحَاول في هذا المقال أنْ أقفَ على مدى تأثُّر أداء المؤسسات الرياضية بالتحديات التي تواجهها في ظلِّ العملية الانتخابية التي تعدُّ من أهم وسائل الديمقراطية والبناء المؤسساتي، مُتَسَائلا: لماذا تراجع أداء المؤسسات الرياضية منذ بداية العقد الأخير، والذي تزامن مع اختيار مجالس الإدارات بالانتخاب، وإصدار النظام الأساسي الموحَّد للاتحادات الرياضية؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء ذلك؟

عندما ننظُر إلى لائحة الانتخابات الموحَّدة للاتحادات الرياضية، والأدوات التي حددتها هذه اللائحة،  نجد أنَّها تضمَّنتْ عَجبًا من المغالطات، والغريب من التناقضات التي في اعتقادي ألحقتْ الضرر بالديمقراطية الرياضية ولم تُعزِّزها، فضلا عن الأخطاء اللغوية والضَّعف البنائي لها، ولعلنا نلحظ ذلك بالتحديد في المادة 4 من الفصل الأول، والخاصة بشروط الترشح لعضوية مجالس الإدارات، وأهميتها البالغة؛ كونها تحدد المؤشرات المبدئية لأهلية المترشحين، ومدى توافر القدرات لديهم لإدارة شؤون هذه المؤسسات.. ولكشف بعض من هذه المغالطات، أناقش الموضوع من بُعديْن مهمَّيْن تضمنتهما اللائحة الانتخابية.

أولًا: المعادلة الغريبة التي حيَّرت خُبراء إعداد اللوائح والأنظمة ومعادلة المؤهلات العلمية، نصَّ أحد فروع البند الرابع لشروط العضوية على أنْ يكون المترشح حاصلًا على مُؤهل الدبلوم العام، أو كان عُضوا بمجلس إدارة الاتحاد لفترتين على الأقل. في حين أنَّ هذا الشرط جاء بلائحة انتخابات اللجنة الأولمبية التي تُعتبر أيضا هي من المؤسسات الرياضية، ونص الشرط على أنْ يكون المرشح حاصلًا على شهادة البكالوريوس، أو أن يكون عضوًا في مجلس إدارة اللجنة الأولمبية، أو أي من الاتحادات لفترتين على الأقل.

نُلَاحِظ الترهُّل الكبير الذي أصاب هذا الشرط من نواحٍ عِدَّة؛ أولا: شرط المؤهل المطلوب لاستحقاق الترشح (الدبلوم العام)، الذي يعتبر أدنى مستويات المؤهلات العلمية، ومن مقتضيات العلم بالضرورة يحصل عليها الأشخاص ليمحو بها الأمية المتعلقة بهم، والتي باتتْ في أدنى مستوياتها في مجتمعنا العُماني الشغوف بالعلم والتعلم؛ ففي ظلِّ هذا يتساءل الكثيرون: هل يحقِّق مثل هذا الشرط القيمة التنافسية الحقيقية بين المترشحين؟

الأمر الآخر أنْ يُعَادَل الدبلوم العام بدورتين انتخابيتين لمرشح الاتحاد، وتُعَادَل شهادة البكالوريوس بدورتين انتخابيتين لمرشح اللجنة الأولمبية، من أين جاءت هذه المعادلة؟ ومن أين جاء هذا التفاوت العجيب؟! ومَن الذي حدد هذه القيمة العلمية للدورات الانتخابية؟ ولصالح مَنْ تمَّت هذه المعادلة؟ علمًا بأنَّ المترشحين للجنة الأولمبية هم أنفسهم من يُمثلون الاتحادات واللجان الرياضية. وهل من المُجدي أن تحدد قيمة المؤسسات الرياضية بأدنى مستويات التعليم، ويُوْضَع لها معيار، ثم يسقط عنها وتتم مُعادلته بفترتين انتخابيتين، وفي رواية أخرى بدورتيْن كما جاء بالتعريفات والأحكام لنفس اللائحة، ليتمكَّن أصحاب محو الأمية من اعتلاء مناصبها وإدارة شؤونها والعبث بمقدراتها.

ثانيا: استدعاء (أو) التخييرية، والزَّج بها في أغلب الشروط؛ على سبيل المثال لا الحصر: ينص أحد الشروط على أن يكون المترشح من اللاعبين أو المدربين المعتزلين للعبة أو لديه خبرة في شؤون اللعبة بأحد الأندية أو إحدى الهيئات الأعضاء بالاتحاد، يتَّضح هنا مَدَى احتراف القائمين على إعداد وصياغة التعديلات لهذه اللوائح لاستخدام حروف العطف والتخيير، ومراعاة ضعف القدرات الشخصية للمترشحين، فجاءت "أو" الثانية بالفكر العظيم بحسب اعتقادهم، حين اشترطت الخبرة في شؤون اللعبة، وأسقطت ما جاءت به "أو" الأولى التي اشترطتْ أن يكون من المدربين المعتزلين، في حين اشترطت "أو" التي قبلها أن يكون من اللاعبين.

نُلَاحِظ هنا الوَهَن الشديد والخلل الذي أصاب هذا الشرط، والتخبُّط في تخيير المترشحين، وتفصيل الاشتراطات على جميع المقاسات والأشكال، وإنقاذهم بـ"أو"؛ فاذا سقطوا من الأولى تمسكوا بالثانية، وإذا سقطوا من الثانية تمسكوا بالثالثة والرابعة، وهكذا إلى ما لا نهاية!! فالسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: لماذا كل هذا التناقض في شروط الترشح والتفصيل المُمل المبني على اللا منطق، والذي أفقدها وانتزع منها قوتها وقيمها ومعانيها.

وهل الشرط الذي يُحدِّد أن يكون المترشح لعضوية مجالس إدارة المؤسسات الرياضية مدربا أو لاعبا معتزلا يحقق الإضافة الحقيقية للعضو أو للمؤسسة التي سيكون أمينا للسر أو أمينا لصندوق المال فيها، أو أن يتنافس على منصب الرئيس أو نائب الرئيس التي تحتاج من المؤهلات العلمية التخصصية كونها تلامس صلب الأداء المؤسسي، وتتعلق بفهم أبعاد الفسلفة الإدارية ونظرياتها، كما أشرت إليها في المقال السابق. وما هو معيار الخبرة في شؤون اللعبة؟ وكيف له أن يتحدد إذا أسقط من اللاعب ومن المدرب ومن أهل الاختصاص في شؤونها، ليلصق بغيرهم من المتطفلين والدخلاء عليها؟!!

يتساءل الكثيرون: هل يعني هذا أنَّ الذين يطمعون في الحصول على هذه المناصب لا يمتلكون شيئا من المؤهلات، ولا يتَّصفون بشيء من القدرات التي تؤهلهم لاعتلاء هذه المناصب، فيستنجدون بـ"أو" وبغيرها؟ ولماذا يتم تغيير اشتراطات الترشح لهذه المؤسسات مرارا وتكرارا، والتي باتت بشكل لافت للجميع خلال الدورتين الانتخابيتين الماضيتين؟ هل أدركت الجمعيات العمومية التي تعتبر الجهة المسؤولة عن اعتماد مثل هذه التغييرات والتعديلات أثر ذلك على المؤسسات الرياضية؟ وكيف أسهم هذا الترهل والضعف الذي أصاب اللوائح والانظمة في تراجع أداء المنظومة الرياضية بشكل مخيف ومفزع؟!

وفي ظل هذه الإشكالات، نلاحظ مدى تدنِّي مُستوى الفكر الدافع، ووعي أعضاء الجمعيات العمومية للعملية الديمقراطية، وعدم قدرتهم على استخدام أدوات العمل الانتخابي والرقابي؛ حيث لا تتعدَّى أدوارهم حضور الاجتماعات واللقاءات، وإقامة الصداقات، وتقاسم الأصوات الانتخابية، ظنًّا منهم أنها أعلى مستويات الديمقراطية والعملية الانتخابية.

يَخِرُّ مقالي هذا راكعًا، ويستغيث بصُنَّاع القرار لإنقاذ ما تبقى، ويستجديهم بأن يقفوا على المنهجية التي تتعاطى معها الجمعيات العمومية، وأنْ يضعوا كل شاردة وواردة في اللوائح والأنظمة محل النقد والتحليل، وأنْ تحكم الرقابة عليها من عَبَث الأيادي وأهواء النفوس، وينظروا إليها نظرة المتأمل والناقد البصير، لتستعيد المنظومة الرياضية عافيتها وقوتها.