مسعود أحمد بيت سعيد
Masoudahmed58@gmail.com
إن فكرة قيام كيان صهيوني على أرض فلسطين كانت منذ البداية قائمة على فكرة تهجير السكان الأصليين، وإحلال جماعات أخرى مكانهم. وبعد صدور قرار التقسيم وإعلان قيام الكيان الإسرائيلي، تم تهجير الشعب الفلسطيني، سواء داخل فلسطين أو خارجها. وقد كانت الهجرة الداخلية واسعة النطاق نتيجة تمسّك الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم الوطنية. وبطبيعة الحال، تأسست السياسات الصهيونية على شعارات زائفة مثل -فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض- وأرض الميعاد، وهي أكاذيب وأساطير حاولت من خلالها الصهيونية بناء سردية مختلقة تبرر وجودها على حساب أصحاب الأرض الأصليين. وقد جاء هذا التضليل السياسي والتاريخي والإعلامي في سياق محاولة صياغة رواية تبرر التهجير، وتقدمه كأمر لا مفر منه.
وبهذا المعنى، يشكل التهجير جوهر المشروع الصهيوني، وليس مستغرب أن ينظر الكيان الإسرائيلي وداعموه إلى حق العودة باعتباره تهديدًا وجوديًا، ونقيضا لسياسة الإحلال والاستيطان. وفي هذا السياق، لا يزال مشروع التهجير حاضرًا ضمن أولويات السياسة الصهيونية، ويتقدم بخطى متسارعة ومقلقة، خصوصًا في ظل تحولات إقليمية تصب في مصلحتها.
ورغم تواضع الإمكانيات الصهيونية مقارنة بالطاقات الفلسطينية والعربية، فقد حقق مكاسب تفوق توقعاته. وهو الآن، بعد سلسلة من الإنجازات السياسية والعسكرية، يسعى إلى استثمار هذا الواقع لتحقيق المزيد من المكاسب، معتبرًا نفسه في أقوى مراحله، حيث يتحرك دون رقيب أو محاسبة. لكن المسألة أكبر من الأحلام والأوهام الصهيونية التوسعية، حيث إن فرض التهجير ليس مهمة سهلة، لعدة أسباب، أبرزها، تمسّك الفلسطينيين بأرضهم رغم كل أشكال العدوان والإبادة الجماعية والحصار الخانق، ووجود رفض عربي ودولي -ولو جزئي- لسياسات التهجير القسري. ولهذا لا يكتفي الاحتلال بالوسائل المباشرة، بل يعتمد أيضًا على أدوات غير مباشرة مثل تدمير البنى التحتية من منازل ومدارس ومستشفيات، ما يضطر الفلسطينيون إلى الهجرة الفردية، سواء للعلاج أو التعليم أو هربًا من الجوع. وانطلاقًا من ذلك، يمكن القول إن التلويح اليومي بمسألة التهجير يحمل طابعًا مزدوجًا، فمن جهة، يشكل جزءًا من الاستراتيجية الإسرائيلية ذات البعد التوراتي، المعبر عنها بفكرة الدولة اليهودية، ومن جهة أخرى، يستخدم كأداة سياسية لابتزاز الفلسطينيين والعرب، ودفعهم نحو التسوية والتطبيع وفق شروط الاحتلال، بهدف فرض حل نهائي، يبقي على وجود الكيان الإسرائيلي إلى الأبد.
وتروج بعض القوى والمراقبين بأن الكيان الصهيوني قادر على الاستمرار في عدوانه وتفوقه إلى أجل غير مسمى، وهو ما يشجع البعض على الأقل -بدافع من سوء التقدير- على الدعوة إلى التسريع في توقيع المعاهدات معه، وهي دعوات تتسم بعدم الحكمة السياسية، وتؤدي إلى نتائج استسلاميه خاطئة. ومن الناحية الواقعية فإن الكيان الصهيوني يسابق الزمن، مدركًا أن الواقع العربي يمر بمرحلة ضعف وانقسام، ويسعى لاستغلالها إلى أقصى حد. لكنه يعلم في قرارة نفسه أن وجوده هش، وأن أي تغيير جوهري في موازين القوى العربية قد يضع حدًا لوجوده في وقت قصير.
لهذا، لا ينبغي الاستهانة بخطورة الكيان الصهيوني وقدرته في بعض المحطات التاريخية في تنفيذ بعض أهدافه، كما لا يجوز تضخيمه وترويج فكرة أن بقاءه حتمي. فالنتيجة الأوضح بعد قرابة قرن من الصراع، هي أن الشعب الفلسطيني لا يزال ثابتًا على أرضه، وأن مشروع التهجير، رغم قسوته، لم ينجح في تحقيق أهدافه، وأن الجماهير العربية رغم المعاهدات والاتفاقات الرسمية ما زالت ترفض وجوده، وهي مؤشرات تعزز القناعة بزواله الحتمي.