حميد بن مسلم السعيدي
منذ أن خُلق الكون ووجدت الحياة على سطح الأرض تعاقب الليل والنهار بسبب حركة الأجرام السماوية في حراك وكأنَّه تسابق من أجل البقاء أو الزوال، فتعيش الحياة مرحلة من التبادل اليومي وفقاً لنظام لا يتغير منذ الخلق وحتى هذا اليوم وكأنهما في صراع وتسابق من أجل كسب البقاء لفترة أطول والحصول على رضا الإنسان، حيث كان النهار دلالة على النور والحياة فيشتاق الإنسان لظهور الفجر من أجل أن يبدأ حياته في الكفاح والعمل للحصول على قوت يومه، ثم يحل الليل بعد ساعات مُحددة ليشعر الإنسان بأنه بحاجة إلى الراحة والاسترخاء، فتمر دورة الحياة في صورة تبادلية ثابتة المدة والزمن لا تتغير إلا في دورة الفصول الأربعة.
هذان الأبردان كما يطلق عليهما في الكتب الأدبية يرتبطان بحياة الإنسان وفكره وتعامله وصراعه مع الحياة فالنهار هو مصدر النور والسلام والتعايش والتسامح والقيم الفاضلة والخير، ويوصف الليل للسواد والفساد والظلمة والشر، حيث انعكست الصفات الزمنية على صفات الإنسان وقيمه في تعامله مع الآخرين، وربما هي غريزة غُرست في الإنسان منذ تواجده على سطح الأرض، حيث يعود الصراع بين الخير والشر إلى عهد قابيل وهابيل، فقد شعر قابيل بالحقد على هابيل ليس لأنه اعتدى عليه بل لأنه كان أكثر قبولاً عند الله عزّ وجلّ نتيجة للتقوى والعمل الصالح، فأقدم على قتله وكانت أول جريمة للإنسان على سطح الأرض.
هذه الحادثة تعود بنا إلى تفسير السلوك العدواني للفرد والذي يحدث أحيانا دون أن تكون هناك مبررات لحدوثه، وهو ما نشاهده في عالم اليوم من أحداث وجرائم تحدث بين الفينة والأخرى، وسواء أكانت بين الأفراد في الإطار المجتمعي، أو بين الدول على المستوى العالمي، ويعود ذلك إلى إشكاليات نفسية في ذات الفرد، وحُبه لذاته أكثر من قدرته على تحقيق الإنجازات التي يُحققها الآخرون، فعندما يجد نفسه أمام الفشل والإخفاق وعدم القدرة على مجاراة الآخر في الوصول إلى الإنجاز فإنِّه يعتمد على تحطيم الآخرين بالاعتداء عليهم مُستخدماً العديد من الوسائل المُتعددة والتي قد لا تصل إلى القتل أحياناً ولكنها تؤذي الآخرين وقد تُؤثر على مسار حياتهم وإنجازاتهم، فيحدث الصراع بين الخير والشر، وقد يخسر الإنسان العديد من قيمه ومبادئه وأخلاقه في الوصول إلى غايته الوقتية، وقد يصعد إلى أعلى إلا أنَّه يظل كالدخان لا ثمار له فهو سرعان ما يتساقط كأوراق التوت في بداية فصل الخريف.
فمنذ أن خلق الله عزَّ وجلَّ الإنسان وهناك صراع أزلي بين الباحثين عن الإنجازات ومُحاربة الظلم والاستبداد والتغيير من أجل حياة أفضل، وبين الفاشلين والراغبين في الوصول إلى القمة على أكتاف الآخرين، إلا أنَّ ذلك لا نهاية له وهو جزء من نمطية الحياة والكفاح من أجل تحقيق رغبات الإنسان وطموحاته، فطعم الحياة مع قساوتها وشعور الإنسان بالفخر في سبيل تحقيق غايته، أو الانتصار على أعدائه بأي الوسائل كانت، فالصمت عن الظلم والاستبداد لا يرضاه الأحرار الذين يرغبون في العيش تحت ظلال العدالة والمساواة والنور، في حين يرغب الآخرون في العيش في الظلام يعتدون على هذا ويسلبون حق ذاك، هو صراع لا نهاية له مُستمر في التزامن بين النور والظلام مثل التزامن الوقتي بين النهار والليل إلى أن تقوم الساعة.
لذا فإنَّ الصراعات تبقى جزءًا من الحياة التي نشهدها اليوم، وأحياناً تكون صراعات مخفية يعمد فيها المعتدون على تصميم وإدارة الخطط والاستراتيجيات ورسم السياسات التي تهدف للقضاء على الآخرين وتحطيم كياناتهم وإنجازاتهم وربما التأثير على ثوابتهم القيمية والأخلاقية، فهو صراع لا ينتهي مستمد من منظومة بناء الإنسان العقلي والفكري الذي يقوده إلى القيام بهذه الأفعال التي تُؤثر على الآخرين وتستبد حقوقهم، وربما تصل إلى سلب الحق في الحياة، إلا أنَّ ذلك لا يعني إطلاقًا أن هذه المنهجية التي رسمت بها الحياة في العلاقات المجتمعية بين الأفراد أو بين المنظمات أو بين الدول تظل هكذا بل كانت الدعوة إلى المواجهة بين الطرفين فالرضا عن الذل والهوان هو خسران لكيان الإنسان وقيمته، لذا يعمد الأفراد إلى مُواجهة الآخرين مستندين بمضامين العمل القانوني والحق في الدفاع عن النفس في منظومة قانونية وضعها المشرع من أجل الحفاظ على قوة الخير في مُحاربة الشر. هذه النمطية بالحياة تقودنا للتفكير في منظومة المواطنة والانتماء إلى الوطن، فالمواطن المسؤول هو العارف بحقوقه والمدرك لواجباته الوطنية والتي تتطلب منه القيام بالدور الوطني في مساندة الوطن والدفاع عنه ومُواجهة كافة الإشكاليات والصراعات التي يتعرض لها، فالحروب لا يشترط فيها أن تكون هناك مُواجهة بين الجيوش في الميادين، فهذه لا جدوى منها اليوم، لذا تعمد الدول إلى العديد من الصراعات التي تتوافق مع طبيعة الحياة في العصر الحديث، فهناك الحروب الإلكترونية التي تنشأ في العالم الافتراضي والتي تستهدف ثقة المواطن بحكومته أو الاعتداء على الرموز الوطنية، وهناك الحروب الداخلية التي تعتمد فيها الدول على التعمق الداخلي في الدول الأخرى والعمل على تحطيم مشاريعها الاستراتيجية والاقتصادية من خلال المتعاونين الذي يعمدون على إفشال هذه المشاريع وتحقيق الخسائر فيها، بل والعمل على التأثير في العلاقة الوثيقة بين الحكومة والمواطنين من خلال نشر الإشاعات والتقليل من قيمة المشاريع الوطنية من خلال المتعاونين معهم من الداخل، وهذا الأمر يعد من أشد الحروب ضراوة وتحقيقا للخسائر الكبيرة في تلك الدول المستهدفة، لذا فإن المواطن ينبغي أن يكون حارساً أمينا على وطنه مستمداً من القول السامي للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- شعاراً وطنيًا على جبينه "على كل مواطن أن يكون حارسا أميناً على مكتسبات الوطن ومنجزاته التي لم تتحقق كما نعلم جميعاً إلا بدماء الشهداء، وجهد العاملين الأوفياء، وألا يسمح للأفكار الدخيلة التي تتستر تحت شعارات براقة عديدة، أن تُهدد أمن بلده واستقراره، وأن يحذر ويحذر من هذه الأفكار التي تهدف إلى زعزعة كيان الأمة".