مسمار على الطريق

 

غسان الشهابي **

** كاتب بحريني

خلال تطوافي الشحيح بقنوات التلفزيون، استوقفتني ندوة "كورونية" في الكويت، تألفت من أعضاء مجلس الأمة، وعدد من المسؤولين الحكوميين، فقال أحدهم إنها ليست المرة الأولى التي تمر بالكويت ظروف عصيبة غير مسبوقة ونضع لها التشريعات الملائمة التي تخرجنا منها، وراح يُعدد المشاكل الكبرى المعاصرة التي مرت بالكويت، أو مرت الكويت من خلالها وخرجت من الجانب الآخر، مشيراً إلى أزمة سوق المناخ، والغزو العراقي للكويت، وبعضاً من المشاكل الأخرى الأقل حجماً، والدرس المستفاد من هذا هو أنَّ الكويت ستمرّ أيضاً بالمشكل الاقتصادي والاجتماعي الذي يترتب يومياً عن فيروس كورونا الذي سيدخل عمَّا قريب شهره الخامس منذ وصوله إلى مجلس التعاون والحياة كلها في مرحلة توجس عام.

صحيح أن الدروس التي تم ذكرها في الندوة ليست واحدة، ولكنها كانت تعبر فقط عن تدابير قصيرة، تدابير بمقدار الرقعة التي يمكن أن تسد الثقب الذي أحدثه مسمار مرمي على الطريق صدفة أم بتدبير، ولكنه أحدث هذا الثقب الذي لا يشكل واحداً على 500 من حجم الإطار، ولكنه كفيل بجعل العجلة تكفّ عن الدوران، فنأتي بالرقعة التي هي أكبر من الثقب، ونقوم بإعادة شحن الإطار بالهواء ما دام الله قد منحنا هواءً رخيصاً، وننطلق مُجدداً مستمتعين بالرحلة!

الأمر لا يتعلق بالكويت، وإنما هي نموذج متشابه في جميع دول الخليج التي تعرضت إلى أزمات مختلفة، وكانت بعضها خانقة إلى الدرجة التي غادرت معها طائفة من العمالة الأجنبية البلدان الخليجية وهم يرون السفينة تغرق، وبلغ اليأس والقنوط بأبناء هذه البلاد حداً رأوا فيه المستقبل مظلماً جداً ولا أفق له، وفجأة، تتغير الظروف الدولية، وتبدأ الأمور في العودة إلى ما كانت عليه، أو تكاد، ونعود لننسى المسمار والمعاناة التي مررنا بها حتى أصلحنا الإطار وعدنا إلى الطريق من جديد، وكأن المُقبل من الطريق لا مسامير فيه ولا حُفر.

في الحقيقة فإننا لا نذكر من الدروس إلا لحظة خروجنا منها، ولا نتوقف إلا عند محطة "انتصارنا" على الظروف القاهرة، ونسعد بأننا قد تخلصنا من المشكلة ورميناها وراء ظهورنا، فأثقل الأعمال هي تلك التي تكلف المحتفلين بإعادة كل شيء إلى مكانه، وكنس مُخلفات الحفل، وما دمنا لا نقوم بأنفسنا بهذه الأعمال لا على مستوى البيت ولا على مستوى الأمة، فمن المرجح أن نفقد حساسيتنا لأهمية عدم الوقوع في المشكل نفسه مجدداً.

كما في حالات سابقة كثيرة، نكرر القول بأنَّ علينا النظر بشمولية وسعة أفق للحلول لئلا تكون تدابيرنا قصيرة الأمد، وكي لا تظل خُططنا قائمة على فقه المفاجآت وردود الفعل؛ فنتراخى عن توقع المسامير المختلفة الأحجام والأضرار على طول الطريق اللا نهائي، ونشغل أقصى ما يمكن من خيالاتنا لتوقع الأسوأ، وبالتالي تكون معالجتنا أشمل من إصلاح خلل وقتي في منظوماتنا.