النموذج الاجتماعي العُماني الأقرب إلى وسطية الإسلام

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

** كاتب قطري

 

في مقالة سابقة كتبت عن تجربة عُمان المُتميزة في فن إدارة العيش المُشترك، وسُّمو التسامح، وإثراء التعددية الدينية والثقافية، وإعلاء قيم قبول الآخر. وذكرت، استلهاماً، من الكتاب القيم "عُمان السلطان قابوس.. مثالاً للتعايش بين المذاهب الإسلامية والعالم" للباحثة التركية خديجة جنكيز، 14 عاملاً ساهمت في تهيئة المجتمع العُماني ليكون نموذجاً فريداً للتعايش بين المذاهب والأديان والثقافات، منها: نظام الإمامة في الفكر السياسي الإباضي، والفقه الإباضي، والتشريعات العُمانية التي تعتمد مفهوم المواطنة، والموقع الجغرافي، والانفتاح المبكر للمجتمع العُماني على العالم، إلخ.

ما كان لهذا النموذج التسامحي العُماني أن ينجح لولا تجذر وترسخ الثقافة الاجتماعية للمجتمع، أعني (العلاقة بين الجنسين). يتميز المجتمع العُماني بعلاقة متصالحة بين الجنسين، بعيداً عن مفاهيم أعلوية الرجل ووصايته على المرأة، كإفرازات للثقافة الذكورية الحاكمة للمجتمعات العربية .

النماذج الاجتماعية الخليجية :

يسود المجتمع الخليجي، فيما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين 3 نماذج اجتماعية: الأول: نموذج أفرط وبالغ في المُحافظة على العادات والتقاليد والمواريث القديمة، فلم يسمح بأي التقاء بين الجنسين، لا في ميدان العمل، ولا في ميدان التعليم، ولا في بقية الميادين الاجتماعية التي تتطلب التقاء الجنسين وتعاونهما، كما لا يسمح بوصول المرأة إلى مناصب قيادية، وهي بحاجة إلى إذن ومُوافقة الولي الرجل في معظم تعاملاتها وشؤونها المجتمعية، فهذا نموذج أفرط في الجمود على الأوضاع والتقاليد المُخالفة لتعاليم الإسلام، وبالغ في أمر الفصل بين الجنسين وضيَّق من إسهام المرأة التنموي وأهدر حقوقها المشروعة .

وأعظم سلبيات هذا النموذج، أنَّه لا يتيح الفرص المناسبة أمام الجنسين للاختيار السليم للزواج، وبخاصة في ظل فرض النقاب على الفتيات، ومن هنا ترتفع معدلات الطلاق، وتعدد الزوجات، وتنتشر فيه أنماط من الزيجات غير المُعتادة، والمشاكل الأسرية .

وفِي ظل استمرار هذا النموذج على جموده على التقاليد، يخشى أن يتجه المجتمع إلى الخروج لا على التقاليد فحسب، بل على التعاليم أيضاً، لأنَّ التغير سنة الحياة، وعوامل التغير ضاغطة، فإن لم يجد المجتمع الحل المناسب للمتغيرات، اتجه إلى حلول أخرى .

الثاني: نموذج فرط وبالغ في الانفتاح، كردة فعل على تحكم التقاليد الظالمة للمرأة، فلم تجد هذه المجتمعات حلاً إلا في الخروج على التقاليد والتعاليم معاً، كالاختلاط والتبرج غير الشرعي. وإذا كان للنموذج المنغلق مشاكله الاجتماعية، فكذلك للنموذج المبالغ في الانفتاح، المشاكل نفسها.

الثالث: نموذج وسطي؛ إذ يُجسد النظام الاجتماعي العُماني نموذجاً وسطياً في العلاقات بين الجنسين، أراه الأقرب إلى التصور الإسلامي لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الجنسين، هنا انفتاح منضبط بضوابط وآداب الاحتشام الشرعي، إذ يلتقي الجنسان في ميادين مجتمعية عديدة: في التعليم، في العمل، في الحياة العامة السياسية والثقافية والاجتماعية، في ظل مناخ عام يسوده التفاهم والتعاون والزمالة والاحترام والولاية المتبادلة تجسيداً لقوله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله).

وهذا الانفتاح المُعتدل يساهم في إيجاد جو عام من الألفة بين الجنسين: يألف الرجل رؤية المرأة ومحادثتها، كما تألف المرأة بدورها الرجل، من غير عقد نفسية، ومخاوف مرضية، وأوهام مُجتمعية مغلوطة عن التقاء الجنسين، تصوره مصدراً للشرور والانحراف والانحلال كما يسود خطاب بعض الدعاة .

من هنا، أتوقع أن النموذج العُماني لا يشكو ارتفاعاً في معدلات الطلاق، أو تعدد الزوجات، أو تأخراً في سن الزواج، أو كثرة في الخلافات الأسرية، مُقارنة ببقية المجتمع الخليجي.

أخيراً.. يبقى القول إنَّ النموذج العُماني متجذر في العمق التاريخي، هذا بلجريف الرحالة البريطاني، يزور عُمان في 1963 فيقول: "أما في عُمان، فالاختلاط بين الجنسين مشابه لاختلاطهما في أوروبا، فالنساء يستقبلن الزوار الغرباء، ويتجاذبن معهم الأحاديث العامة والخاصة بخلاف نجد والرياض".