الإصلاحات مستمرة.. والخير قادم

خلفان الطوقي

عام 2020 هو عام استثنائي على عُمان منذ أول يوم إلى هذه اللحظة.. فالستة أشهر الماضية كانت مَلِيئة بأحداث محليَّة وعالميَّة شكلتْ فرصًا يُمكن الاستفادة منها، وفي الوقت نفسه تحديات حقيقية، وأهم هذه الأحداث: وفاة مولانا السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- وتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيده الله ونصره- مقاليد الحكم، عقبتها فترة حداد استمرت 40 يوما كانت عُمان فيها هادئة ساكنة، وتمَّ تأجيل بعض الفعاليات التجارية والمهرجانات والمؤتمرات الدولية والأفراح، وما إنْ انتهت فترة الحداد إلا وتبعها إعلان حالة الاستنفار العام لمكافحة تفشي جائحة فيروس "كورونا" الذي أوقف الحياة تماما، وتزامن مع انخفاض سعر برميل النفط الذي اقترب من 20 دولارا أمريكيا.

بدأت منذ عدة أيام الحياة تدريجيًّا، والمتبقي في هذا العام ستة أشهر فقط، وبدأ النصف الثاني من العام بعدد من المراسيم السلطانية والقرارات والتوجيهات؛ أهمها: قرار إحالة ما لا يقل عن 70% من موظفي الدولة الذين أكملوا 30 عاما في الخدمة، وعدد 35 سنة للمستشارين والخبراء والمديرين المختصين، بعدها تبعها مرسوم سلطاني سامٍ بإنشاء مكتب خاص لجلالة السلطان يتبعه مباشرة، وتعيين رئيس له برُتبة وزير، ومرسوم سلطاني بإنشاء جهاز استثماري موحد بمسمى "جهاز الاستثمار العماني" يُضم إليه الصندوق الاحتياطي العام للدولة وصندوق عمان للاستثمار ومديرية الاستثمار التابعة لوزارة المالية، كما تنقل إلى ملكيته كافة الشركات الحكومية عدا شركة تنمية نفط عمان، ومن المتوقع خلال شهري يونيو ويوليو من هذا العام أن يصدر عدد من المراسيم السلطانية التي ستكون في أرض الواقع بعد وعد السلطان -حفظه الله ورعاه- في أول خطاب له بعد فترة الحداد بإصلاحات شاملة.

يُقصَد بالإصلاحات الشاملة تهيئة كاملة لرحلة التنمية العمانية المستمرة والمتجددة، وتشمل: إعادة الهيكلة من دمج المؤسسات الحكومية المتشابهة في مهامها والمتداخلة في اختصاصاتها ببعضها البعض، وتحديث التشريعات والقوانين، وتطعيم الجهاز التنفيذي للحكومة بدماء مؤهلة شابة وثابة، وتطبيق معايير الحوكمة التي تضمن عناصر "الرقابة الصارمة والتقيم الدوري والمسألة والمحاسبة"، وتبني سياسات تضمن جودة القرارات الحكومية ومرونتها وتفاعلها المستمر مع المتغيرات المحلية والدولية، وتفعيل السياسات النقدية والمالية التي تزيد من الإيرادات المالية لخزينة الدولة من خلال التنويع الاقتصادي المستهدف، وتقلل من التصاعد الخطير للدين العام، وتُسهم في تحفيز الاقتصاد المحلي، وتغري قدوم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة إلى السلطنة.

هذه الإصلاحات مُلحَّة في تعبيد الطريق لرؤية عمان 2040، ولا يمكن أن تتأخر حزمة الإصلاحات إلى أبعد من ذلك، خاصة وأن الرؤية الوطنية هي رؤية عصرية وشفافة، واضحة المعالم من حيث التحديات والحلول المقترحة، وآلية تنفيذها، ومواصفات وعقليات الشخصيات المؤهلة لدخول هذا المعترك الأولمبي الذي سوف يبدأ في 1 يناير 2021م، لكنه لابد أن تكون الأسس صلبة والدعائم متينة، والتشريعات ممكنة، والإجراءات شفافة، والطواقم البشرية مؤهلة، واللياقة الذهنية والجسدية والنفسية واللوجستية والمالية جاهزة منذ هذه اللحظة، خاصة في الستة أشهر المقبلة من يونيو وحتى ديسمبر 2020.

الإصلاحات والقرارات التصحيحية مُتوقعة وتفاعلية مع معطيات وظروف استثنائية، وكل المؤشرات تدل على التدخل المبكر قبل فوات الأوان، والمؤشرات تدل أيضا على أنَّ هناك حزمة من القرارات الجوهرية سوف تصدر قريبا تُبقي عُمان بلدًا شابا منافسا رشيقا ومتفاعلا مع الأحداث، يبحث عن تموضع أفضل لقادم الأيام، ولابد من دعم ومساندة هذه الإصلاحات "مجتمعيًّا" بعيدا عن التشويه والتشويش؛ فالفوائد الملموسة لهذه الإصلاحات لن تكون لحظية، بل سيستمر مداها طويلا للأبناء والأحفاد؛ فالإصلاحات التصحيحية مستمرة، والخير قادم لا محالة لعُمان وأهلها وأرضها، وكل من يقيم على أرضها الطاهرة بإذن الله تعالى.