الحكاية والصحفي

جيهان رافع

بمُناسبة مرور أسبوع على اليوم العالمي لحرية الصحافة، حرر روحك قبل المُطالبة بحرية الصحافة، فإذا كنت من الذين لا يتقبلون حرية التعبير من الآخر بأخطائك فلا تطلب الحرية لقلمك، أو إذا كنت من الذين يسألون أسئلة مفتوحة عن الذات والهدف ثم لا تنقلب على المجيب إن لم يُعجبك جواب معين فأنت لست حر.

وكما قال الفيلسوف سورين كيركغور: "الناس يطالبون بحرية التعبير كتعويض عن حرية الفكر التي نادرًا ما تُستخدم"، فعندما أردت الاتكاء على قلمي سألت نفسي كيف أستطيع التسلل من بين كل هذه التشققات حتى أوصل رسالة لا تعبث بالسلام ومن دون تشويه لشفافية الفكر؟ رسالة تعبر محيط الوقت وتصل بسلام على متن الروح العائمة فوق أمواج الاختلافات لماركات الأحذية، وما اعتلاها من عقول مسبقة الصنع؟ أحمل زوادة من الحبر ما يكفي من الكلام لسدّ رمق الكون، فهل أستطيع سد رمق أطفالي عندما يأتون إلى الحياة هذا وإن سمح لي دخلي بالدخول إلى مؤسسة الزواج، ونحن نشهد اختبارات ذواتنا تحت مقصلة الزمن، مقصلة الحقيقة، لذلك كنت وما زلت منذ البداية ومع كل الطرقات والسبل التي جعلتني أقف بلا نهاية، مكتوف الحرف عند تفريغ حمولة الوجع، مقيد الفكر، فمن أين أبدأ؟ هل من نهاية التنازلات أم من نهاية أحلامي، فالبداية هنا لا تكترث بهدفي أن أصير صحفيا مرموقا مشهورا كالكبار منهم، وكأنها تطالبني باجتياز التفكير للتنفيذ وهي ترفع فوق عنق قلمي سيف الصمت، وتحثني على النضال وتقول لي: ابدأ ولا تتكلم.

كنت على قناعة دائمة بأنَّ الأرض أهم من الكلام والشعارات والإنسان، فلولا الوطن لكان الإنسان مجرّدا من هويته، والصعب أنك تختار كل تلك المشاعر وسط كومة من الهموم وغربة الروح داخل الجسد، كما هو الشعور في الاغتراب داخل الوطن، أعلم أني سأدفن بين سطور المقالات وفي مقبرة الصحف اليومية، وأعلم جيدًا إن لم أحرر نفسي من قيود الرفض لرأي الآخر بي كشخص، ومن قيود نبذ من هو خارج سربي ولا أتقبل مساره أو دينه أو عاداته فأنا لست حرّا ولا يحق لي المطالبة بحرية القلم وأفكاري أسيرة داخلي أكبّلها من معصم تطورها كي لا تنفلت من تقاليدها وتخنع لماضيها فتتمرّد من أجل مآربها الفردية، تلك السلاسل الملتفة حول عنق القلم في دول العالم كله لكن بتفاوت مساحة الاختناق أرى أنها في غالبية الأوقات شرعية فلولا الضوابط لرأينا الدمار الأخلاقي أفظع بكثير ولرأينا استغلال أشنع للحرية لأنَّ الإنسان بطبيعته لا يقلع عمّا يؤذي الآخرين والمساس بحريتهم الشخصية إلّا بالضوابط أو الخوف من ردة الفعل.

كنت أستمع لأصوات عديدة مثل: قلم لا يخاف أو إعلامي جريء أو مقال حر....إلخ

فأسأل نفسي: أنا أي منهم؟ أي الطرق تجعلني أتصالح مع نفسي قبل أن أنام؟ وجدت الإجابة عندما رأيت أغلبية هذه الأصوات لا تقدس الانتماء والذي لا خير فيه لأرضه لا خير فيه لمحطة تلفزيونية والأمثلة كثيرة ومفتوحة الأبواب، والذي لا يُقدس الأمانة التي وُضعت بين أنامله وهو صوت القلم الصادح لا يحق له أن ترفعه أعمدة الجرائد، وللأسف حين نرى عكس ذلك على أرض الواقع نشعر بالصدمة وهذا الشعور هو ما يجعل الخطأ يتمدد ويأخذ مساحة أكبر من تفكير جيل الشباب ويجعل الذي على حق والمتفوق فكريًا ويقبض على مبدئه كالقابض على الجمر، والأمل يبقى بحقيقة أنه لولا العتمة لما سطعت النجوم.