اسْمَعوا الشباب

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

يَنبغِي على المُربِّين والمُصلِحين والقَائِمين على الشأنِ الاجتماعيِّ الانفتاح على الشباب، والاستماع لهم، والحوار معهم؛ فَمِن الخطأ ترك الشباب لوسائل الإعلام المختلفة التي أصبح وأمسى أغلبها يُغذِّي الشباب بالثقافة المادية والاستهلاكية، وتقوم بنشر الكثير من السلوكيات المخالفة لتعاليمنا وعاداتنا وقيمنا ومبادئنا الدينية والاجتماعية، بغَرْس بذور الفساد في نفوس شبابنا.

يَنبغِي الاقترابُ الدَّائم من شريحة الشباب حتى لو كانت تصرُّفات البعض الطائشة تُزعِج الكثيرَ من أفراد المجتمع الواحد؛ فهُم اليوم ضَحَايا لبيئة تلوَّثت بالكثير من المعوِّقات التربوية التي يَسعَى الإعلام الضال والمُضل لزرعها وترسيخها بين أركان المجتمع الواحد.

مِنَ المؤسف عندما ترى البعض يراهن على القمع والردع في المجتمع العربي والإسلامي، ويبتعد عن الوسائل التربوية الأخرى في كيفية التعامل مع مرحلة الشباب.

نعم!

نحن نحتاج أحيانا إلى استخدام الردع والتأديب في حدود معينة، ولكن لابد من اختيار الطريق الأولى والأفضل والأنسب في فهم ما يُريده ويُرغب فيه الشباب، ومن أهم هذه الطرق الاقتراب من الشباب لمعرفة مشكلاتهم والظروف التي يمرون بها، ومحاولة توفير الاحتياجات النفسية والمادية لما يحتاجون إليه بهدف زرع الثقة والاطمئنان في نفوسهم ووجدانهم.

ومن أهم تلك الموارد التي ينبغي تطويرها بين أركان مجتمعاتنا اليوم: تطوير الخطاب التربوي والديني مع شريحة الشباب؛ بحيث يكون الخطاب قادرًا على جذب الشباب، ومؤثرا على حياتهم ونفوسهم، وهذا لا يكون إلا بالحوار الهادئ، المليء بالعلم والمعرفة، والخلق الرفيع، وتجنب الخطابات الفوقية التي لا تعرف إلا لغة الأوامر والنواهي.

المعرفة التامَّة بكيفية التعامل المباشر معهم؛ من خلال: الاستماع لهم باحترام، وتقدير، وإجلال، والوقوف عند آرائهم التي يطرحونها مهما كانت تلك الآراء.

عندما نُرِيد أن نتعلَّم فن الحوار الراقي والمتمكن مع فئة الشباب، فلابد من قراءة حياة الأنبياء، لنتعرَّف كيف كانوا يحاورون الشباب، وكيف يؤثرون بأخلاقهم وهدوئهم وسلوكهم وجمال حوارهم مع من حولهم من الشباب، ولنا في ذلك عِبرَة وأسوَة من رسول الإنسانية محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- عندما جاء إليه فتى شاب، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!! فأقبل القوم عليه فزَجَرُوه، وقالوا: مهٍ مهٍ!! فقال: ادنُ مني، فدنا منه قريبًا، قال: اجلس، فجلس، قال: أتحبُّه لأمك؟ قال: لا والله! جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك، قال: لا والله! جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله! جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟، قال: لا والله! جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فَرْجَه".

ما أجمله مِن حوَار هَادئ صَدَر عن سيد الكائنات بعيدا عن العنف واللامبالاة، يُعلمنا فيه كيف نحاور الشباب، وكيف ننفتِح عليهم بالمحبة والاحترام والتقدير والإجلال، كيف نُربِّيهم على حب الحوار الهادف والأخلاق الطيبة التي ينبغي أن يتعاملوا بها في داخل الأسرة والمجتمع، لذا فإن من أهم ما نحتاج إليه اليوم لحفظ شبابنا من الانحرافات الفكرية والثقافية الضالة والمضلة: إبعادهم عن التطرُّف والشذوذ والأخلاق السيئة، وذلك بالتركيز على ترسيخ أهمية العلم والحوار الهادئ غير المتشنج إلى نفوسهم وعقولهم والاستفادة من ثقافة وتجارب الآخرين في دعم كفاءات وقدرات وطاقات الشباب الوطنية من خلال تشجيع ابتكاراتهم وإبداعاتهم في خدمة الوطن والمواطن.

والأهم من كل هذا مُخاطبة الشباب بما يليق بشخصياتهم ومكانتهم المختلفة في المجتمع؛ ففي البيت يجب أن يكون الحوار معهم من قبل الآباء والأمهات، وفي المدرسة من خلال المعلمين والمعلمات، وفي الجامعة من خلال الدكتور والبروفسور والإدارة العامة، وفي المسجد من خلال الإمام والخطيب والعالم، وفي العمل من خلال المسؤولين وإدارتهم…وهكذا.

من أجل أن نضمن صلاح شبابنا وعدم انحرافهم، لابد أن يكون المربون والمصلحون والقائمون على الشأن الاجتماعي قادرين على الحوار العلمي النافع، وأن يكونوا القدوة الصالحة التي يُقتدى بها من قبل الجميع، سالكين أفضل الطرق في الوصول لعقول الشباب وإلى ما يفكرون به، قال تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" صدق الله العلي العظيم.

وأخيرا.. ينبغي على المسؤولين والمختصين والقائمين على الشأن الاجتماعي مُرَاعاة أهمية الاستماع للشباب وعدم تهميشهم، فإن الابتعاد عن الاستماع لأفكارهم يُفوِّت علينا الكثير من أفكار التطور والرقي والازدهار التي تتناسب مع عصرنا الحاضر؛ لذا يجب أن لا نقف في مكاننا، بل نسير إلى مستقبل مشرق زاهر بخطى ثابتة مبنية على فكر وإبداعات الشباب.