مواجهة الأزمات

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

المجتمع البشري في وقت الأزمات يحتاج إلى نضوج الرأي ووضوح الرؤية؛ فذلك يساعده على تجاوز الأزمات والمشاكل التي يُعانيها؛ فالرأي الناضج، ووضوح الرؤية يجعلان المجتمع قادراً على توفير الجهود والطاقات التي مِن خلالها يستطيع تحقيق الربح والمنافع الاجتماعية، كما عبَّر عن ذلك أمير البيان علي بن أبي طالب عليه السلام؛ حين قال: "ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة"، وكما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: "العامل على غير بصيرةٍ كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعداً".

لابد للإنسان في وقت الأزمات أنْ يتحلى بالشجاعة والتخطيط، وإيجاد الفكرة المناسبة؛ فتلك حقيقة لا ينكرها عاقل، فلا أحد يقول اعمل وتحرك دون فكرةٍ مناسبة وتخطيط أنسب يحدد من خلاله الهدفَ المراد تحقيقه لصالح المجتمع وأفراده، وهنا عندما يُريد المجتمع التخلص من كل تلك الأزمات الاجتماعية، فلابد له من صناعة الرأي والرؤية بالشكل اللائق، وهذا يتطلب التركيز أولاً على احترام النخبة من أفراد المجتمع، فنخبة كل مجتمع هم العلماء والأكاديميون والمثقفون ورجال الأعمال؛ فهم يمتلكون الخبرات العلمية والعملية والمعرفية الطويلة والواسعة التي من الممكن الاستفادة منها في إدارة الأزمات الاجتماعية التي يواجهها المجتمع؛ فتلك النخبة هي المسؤولة عن تكوين الرأي، وتشكيل الرؤية المناسبة التي من خلالها يستطيع المجتمع وأفراده تخطي الأزمات.

فمن المُؤسف عندما ترى المجتمع يمرُّ بمختلف الأزمات والصدمات، ولا تعطي تلك النخبة المجتمعية أي اهتمام في تقديم الحلول والمعالجات الاجتماعية، ومن المؤسف أكثر عندما تجد بعض تلك الطاقات، هي نفسها لا تريد تحمل المسؤولية المجتمعية في تخطي الأزمات؛ لذا ينبغي التركيز جيداً على النخب الإجتماعية المخلصة المتفانية في خدمة مجتمعها، والتي تؤمن بالتعاون والمشورة والحوار الجاد لخلق الحلول من أجل بلورة الرأي السديد ونضوج الأفكار، كما ينبغي الاستفادة من المجتمعات التي اهتمت بتشكيل اللجان الموثوقة التي كان من أهم أركانها العلماء والمثقفين والناشطين في المجتمع، وتفعيل كل ذلك في سبيل تخطي الأزمات المجتمعية.

وكما أنَّ النخبةَ المجتمعية لها دورها الفاعل في صناعة الرأي السديد والرؤية الواضحة؛ فذلك لا يعني تهميش المجتمع وإعفاءه عن ممارسة المسؤولية الاجتماعية؛ فكل فرد في المجتمع هو مسؤول عن المشاركة الفاعلة في ازدهار ونجاح المجتمع، ومساعدته في حل أزماته المفروضة عليه؛ قال تعالى: "وَأَمْرهمْ شورَى بَيْنَهمْ"، وهنا القرآن الكريم لا يُشير إلى مشاركة البعض كالنخبة مثلاً، بل يشير إلى مشاركة الجميع من أجل إنجاح المجتمع وتجنيبه الكثير من الأزمات والصدمات.

وعندما نتعرَّض للأزمات الاجتماعية، لابد من ذكر عينات من تلك الأزمات التي أرهقت المجتمع وأفراده؛ أذكر منها:

- أزمة الزواج: فقد كان الزواج في السابق منتشراً بشكل سهل وبسيط جداً؛ فلا مزايدات في المهور أو التكاليف الباهظة في الزفاف؛ لذا لا تجد هناك الفساد والإفساد، بل ولم تكن الأمراض الناشئة من مشاكل العزوبية في أوساط الشباب، على عكس ما نراه اليوم من أزمات شبابية جراء أزمة التكاليف الباهظة التي أصبح وأمسى يعاني منها المجتمع الشبابي؛ لذا لابد من التكاتف من أجل حل هذه الأزمة؛ قال رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: " أقلهن مهراً أكثرهن بركة".

- أزمة الأخلاق: وهي من أهم الأزمات الاجتماعية التي أدت لخلق حالة من النفور والتباغض بين أفراد الأسرة والمجتمع الواحد؛ لذا كثرَ النزاع والسباب والقطيعة التي أسهمت في انحراف الأخلاق عن موازينها التي أرادها الله تعالى أن تكون في الأسرة والمجتمع؛ فهي أزمةٌ حقيقية يجب الوقوف عندها من أجل حَلها، قال رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: "إنما بُعثت لأتمّمَ مكارم الأخلاق"، وقال: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم".

- أزمة الأمراض المعدية: إلى هذه اللحظة هناك الملايين من الناس يمُوتون في كل عام بسبب تفشي الأمراض المعدية التي كان آخرها فيروس كورونا، الذي أرعب البشرية جمعاء، وأسهم في شل الحركة البشرية اقتصادياً واجتماعياً، قال أبو ذر رضي الله عنه: "لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وما يحرك طائر جناحَيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً"؛ فالأمراض المعدية تشكل أزمة إنسانية يجب الوقوف عندها لإيجاد الحلول العلمية المناسبة لها.

.. إنَّ كل هذه الأزمات وغيرها تحتاج إلى من يديرها بذكاء وحكمة ودراية وفطنة، وهنا يأتي دور النخبة الإجتماعية بمشاركة أفراد المجتمع الواحد، فإن إدارة الأزمات حالها كالطير صاحب الجناحين جناح منه العلم وجناح منه الفن. أما العلم، فهو تطبيق النظريات والأسس والمبادئ الإنسانية التي يحتاجها الإنسان، وأما الفن فتطبيق التجارب الناجحة والمؤثرة التي من الممكن أن تُسهمَ في إيجاد الكثير من الحلول في إدارة الأزمات الاجتماعية وحلها.