السياحة في الجبل الأخضر.. هل بالإمكان أكثر مما كان؟

 

ناصر بن سلطان العموري

 

لا يخفى على الجميع ما يُمثله الجبل الأخضر من مصيف جبلي آخاذ على خارطة السياحة العُمانية والأهم هنا كيف نجعله نقطة جذب على خارطة السياحة العالمية؟ لا سيما في ظل انتشار هذا النوع في العالم كثقافة للسياحة الجبلية المرتبطة بالبيئة والطبيعة وذلك منذ ظهور ملامح المدينة الحديثة وضغوطها والهروب منها لصفاء الذهن والنفس إلى المناطق الجبلية ذات المناظر الخلابة ومن هنا ازداد الطلب على الاستجمام الجبلي، ومن المعروف للجميع أن الجبال تعتبر فضاءً متاحاً للرحلات وقضاء الإجازات ومواطن جذب للسياح ليس فقط من داخل البلد بل من خارجها أيضاً فكل سلسلة جبلية في العالم لها مُميزاتها الجغرافية والطبيعية والنباتية والجيولوجية والتكوينية التي تميزها عن الأخرى.

والسؤال هنا هل 84 ألف سائح للجبل الأخضر خلال 6 أشهر وهو ما ذكر عبر إحصائية لوزارة السياحة نشرتها إحدى الصحف المحلية خلال الأسبوع المنصرم، يُمثل العدد الكافي ليصبح وجهة سياحية جذابة على المستوى العالمي؟! وكلنا يعلم أنَّ مناخ الجبل الأخضر صالح للسياحة سواء أكانت الشتوية أم الصيفية ولكن من المُلاحظ أن السياحة في الجبل الأخضر تسير بوتيرة بطيئة للغاية! ولا تتناسب مع ما يشهده العالم من توجه سياحي ليكون أحد الموارد الاقتصادية المساهمة لخزينة أي بلد ولا أعلم هنا هل نعزي ذلك لعدم تقبل السكان وإن كان الذي يزور الجبل يجد الترحيب الأصيل والحميم من القاطنين فيه أم أنَّ السبب هو قلة الاعتمادات المالية المُخصصة لوزارة السياحية فإن كان السبب هو عدم تقبل السكان للانفتاح السياحي فلا يتأتى ذلك إلا عن طريق تهيئة الأهالي بالمحاضرات وورش العمل والتشاور للخروج بإستراتيجية متكاملة لتطوير الجبل الأخضر سياحياً وإقناعهم من خلال الوجهاء والمثقفين من أبناء البلد ممن يعلمون أهمية السياحة ونفعها للجميع، كما أن للفرق الرياضية دوراً في ذلك من خلال توعية الشباب بصفتهم جيل الغد ومن الضروري إيصال رسالة مفادها أنَّ السياحة ليست بالضرورة أن تكون الانسلاخ والانحلال الأخلاقي فهناك سياحة محافظة على خصوصية المنطقة وعادات وتقاليد البلد والأمثلة على ذلك كثيرة والشواهد عديدة على مستوى العالم.

أما إن كانت قلة الاعتمادات المالية الممنوحة لوزارة السياحة السبب فلماذا لا يتم فتح باب الاستثمار السياحي للقطاع الخاص المشروط في الحفاظ على هوية المنطقة وكينونتها فالحق يُقال إنَّ الجبل الأخضر يفتقد لمناشط سياحية عدة منها القطار المُعلق أو ما يطلق عليه (التلفريك) وهو وسيلة نقل ومواصلات جبلية بامتياز فهو يساعد على التمتع بالمناظر الطبيعية من أعلى الجبال وبين قممها وسفوحها ووديانها وشعابها يكون فيها السائح معلقاً بين السماء والأرض وقد مدت خطوطه إلى العديد من السلاسل والكتل الجبلية في مختلف مناطق العالم ويوفر استخدامها مجهود تسلق السفوح الجبلية ومخاطرها كما أنّ هناك نقصا ملحوظا في توفر الملاهي وحدائق الأطفال حيث إنَّ الموجود والمتوفر متنزهات لا تحتوي على كافة الخدمات التي يحتاجها السائح بل أحياناً في أوقات الموسم السياحي تفتقد لوجود الخدمات الأساسية الكافية ولماذا لا يتم كذلك إشراك المدارس والجامعات والكليات والنوادي الرياضية وتوعيتهم بأهمية الاستجمام الجبلي وخلق برامج في هذا المجال وإعطاء الأولوية للشركات العُمانية من رواد الأعمال لتنظيم مثل هذه المخيمات حيث إنِّها ستكون فرصة لتنشيط الحركة السياحية في الجبل الأخضر بشكل شبه دائم شريطة أن يكون هناك عائد مادي رمزي للدولة من هذا النشاط.

وكذلك رياضة قيادة الدراجات الجبلية نجدها كذلك مفقودة لعدم توفر أماكن خاصة بها والحال نفسه ينطبق على رياضة تسلق الجبال التي يقتصر تواجدها في الفنادق غالية التكلفة، كما أن الجبل الأخضر يفتقد لوجود فنادق كافية تناسب أسعارها جميع الفئات، عكس ما هو متوفر حاليًا من فنادق نستطيع أن نقول إنَّ أسعارها خيالية والاستراحات والشقق السكنية والنُزل غير كافية أيام الإجازات فيجب أن نأخذ في الاعتبار أنَّ المستهدف ليس فقط السائح الأجنبي ولكن أيضاً السائح المواطن وعليه يجب أن تكون أسعار المنشآت السياحية بتنوعها في المتناول لاستقطاب الكثير من السياح العمانيين وتشجيع السياحة الداخلية.

ومن الممكن أن تساهم السياحة الجبلية في توفير فرص العمل للقاطنين من الأهالي وما تساهم به من عائدات لهذه المناطق القروية ومن ناحية أخرى التأثير الإيجابي على السكان المحليين وثقافاتهم وصناعاتهم التقليدية وطرق استفادتهم المثلى من تسويق الصناعات والمنتوجات المحلية ونجد النقطة الأخيرة لا زالت مُبهمة بالنسبة لتسويق منتجات الجبل الأخضر بكافة أشكالها وأنواعها فنجد أنَّ هناك أكشاك قائمة في بعض المتنزهات غير مستغلة وينبغي إعادة النظر في تشكيل هذه الأكشاك وإعادة تصميمها وترغيب أصحاب المنتجات والسعفيات والصناعات المحلية للعمل بها وكيفية جذب السياح إليها بطرق مبتكرة .

من الضروري إدخال أفكار جديدة لتطوير ورفد القطاع السياحي في الجبل الأخضر واستقطاب الكثير من السياح من كل أنحاء العالم كلا بعشقه وميوله سواء البيئية أو المغامرات أو التخييم والاستجمام أو السباقات الرياضية المختلفة وياحبذا هنا لو يتم تخصيص كادر وطني مؤهل ومتخصص لبرامج التسلق وصعود المرتفعات والمغامرات، كما أن استضافة السباق الجبلي العالمي خطوة على الطريق الصحيح وإن كان هناك ثمة ملاحظات عليه من جانب المشاركين خاصة العمانيين منهم لعدم تغطيته إعلاميًا من قبل القناة الرياضية!! ومن الممكن إقامة سباق تحضيري للمواطنين من شأنه أن ينشط الحركة السياحية في الجبل الأخضر من ثم إعطاء الفرصة للفائزين للمشاركة في السباق العالمي.

السياحة في وقتنا الحالي أصبحت صناعة يعتمد عليها متى ما وجدت العقول وأعطيت الفرصة لها والنتائج ستكون إيجابية خلال السنوات القادمة شريطة استغلال موقع الجبل الأخضر أكثر مما هو قائم الآن في جعله مصيفا جبليا بمعنى الكلمة وفتح أبواب الاستثمار بما يعود بالنفع على البلد وبما يتناسب مع خصوصية المكان مع جعل الأسعار تناسب جميع الفئات فلا شيء مستحيل ولكن بالعمل المخلص يتحقق المبتغى للوصول للهدف المنشود.