علي بن سالم كفيتان
تبيّن أنّ الناخب هو مجرد صوت يراد له أن يرجح مرشح على آخر في انتخابات الشورى، لذلك تجد البرامج الانتخابية فضفاضة إلى حد كبير وخالية من المضمون الحقيقي للممارسة البرلمانية، ورغم إشادتنا في المقال السابق بظاهرة التجمعات الانتخابية في ولاية صلالة وميلها للتنوع، إلا أن الأمر لا يزال رهين الفكر القديم، فلم تمنح الفرص الكافية للنقاش أو إدارة حوارات عميقة فالأمر أشبيه بتسويق المعلبات إلى حد كبير.
إنّ الثقافة البرلمانية مفقودة تماماً في الأوساط العامة وإلى حد كبير لدى النخب المثقفة، لذلك نرى أنّ هذه التجربة لا تزال تراوح مكانها في سلم الأولويات وينظر لها على أنّها جزء من الترف المجتمعي أو بالأحرى رواق لتمرير السياسات العامة وغطاء لتقارير المنظمات العالمية ذات الصلة، وللأسف الرسالة لم تصل بعد إلى المواطن فهو لا زال أداة فقط، وقد يستغرب البعض من القدرة العالية للحشد التي يمتلكها المجتمع في مثل هذه المناسبات، وهذا بدوره ينعكس على مدى الإدراك الجمعي لما هم مقدمون عليه، ونرى أنّ ذلك الإدراك لا زال في مستوياته الدنيا وخير دليل على ذلك عدم ظهور مرشحين يمتلكون برامج انتخابية فاعلة طوال الدورات السابقة وربما اللاحقة.
جرني الفضول وكذلك الولاء الانتخابي في بعض الأحيان لحضور عدد من اللقاءات التي قادها مرشحو الدورة التاسعة في ولايتي، وكنت أحرص على الحضور قبل بداية تلك المهرجانات الشعبية بدقائق والجلوس بعيدا في الخلف لكي اطلع على الصورة الكاملة لما يجري، ولا أخفيكم بأن الأمر يتبين لي وكأنه مجرد دعاية إعلامية أو مسرحية مكررة، فجل التركيز هو على الكاميرات الثابتة والمتحركة التي تجوب اللقاءات والساحات العامة ولا أحد يكترث لما يقدمه ذلك الرجل الواقف على المنصة يتلو كلاماً قديماً خاليا من المصداقية والإثارة في أكثر الأحيان، فالكل يبحث عن صورة تبين الكم الكبير للحشد الذي يمتلكه ولا مانع من تطعيم الحفل بصور لكبار السن الذين أصبحوا سلعة انتخابية جيدة تدر كمًّا طيبا من الأصوات.
ولعله من نافلة القول هنا أن أبين لكم همي الأول وهو الحفاظ على البيئة ومجابهة جائحة التصحر التي تهضم سنوياً مئات الكيلومترات المربعة في بلادنا وتحولها إلى صحراء، لقد كنت أبحث عن كلمة في تلك البرامج الانتخابية تشفي غليلي أو حتى تهدئ من روعي ولكني لم أجد. وكمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي لفت انتباهي وسم على موقع تويتر قبل عدة أسابيع بعنوان "#ظفار_خضراء_ مثمرة" ونال نسبة عالية من المتابعة على مستوى السلطنة، وكنت أتمنى أن أجد تغريدة لأحد مرشحي تجمعاتنا العتيدة تساهم في تأييد هذه المبادرة المجتمعية. ومن هنا تولّدت لديّ قناعة بأنّ البيئة تقع في ذيل أولويات مرشحي المحافظة رغم أنّها الميزة الأساسية والنوعية لظفار. وهذا يقودنا لما بدأنا به المقال وهو غياب الثقافة والممارسة الانتخابية لدى طرفي العملية، فكنت أتوقع أن يتبنى أحد المرشحين زراعة مليون شجرة لبان في ظفار مثلاً أو معالجة نسبة معينة من الأراضي المتضررة عبر تبنيه لتعديل قوانين قائمة، أو حتى اقتراح أخرى جديدة أو الرقابة الصارمة على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه لمعالجة هذه الظاهرة في ندوة التصحر التي عقدت عام 2002 وبارك المقام السامي توصياتها.. فأين نحن بعد قرابة العشرين عاماً من تلك الندوة وتوصياتها؟ وأين مرشحينا من همنا الأساسي في ظفار؟
بيَّنت تلك المهرجانات الانتخابية أنها شكلية إلى حد كبير وتهدف لصيد الناخب المخدر بموروث الظهور وحب الهيمنة ولسان الحال يقول المهم الوصول وبعدها ليقضي الله أمراً كان مفعولا. ومن هنا أقول لقرائي الأعزاء أنني لست متشائما ولكنني أنشد الحقيقة ورغم هذه الصورة الضبابية، فلا بد لنا من اختيار الأفضل من المتوفر على أساس الواقعية في الطرح والتعبير الصادق عن هموم المجتمع، والفائزون بمقاعد الدورة التاسعة لا يمثلون ولاياتهم بل يمثلون وطنا بأكمله؛ بأحلامه وطموحاته لغد أفضل ينعم فيه الإنسان بالمواطنة السوية، والرفاه الاجتماعي، والعيش الهانئ الكريم.