غزّة.. ادْخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ءَامِنِينَ

سُلطان بن خلفان اليحيائي

 

ليس كلُّ مَن سُفِك دَمُه صار شهيدًا، لكنّ أهلَ غزّة -أهل المقاومة- قد نالوا مقامًا يشهدُ له التاريخ، وتُزكّيه ملائكةُ الرحمة، ويثبّته صبرُهم وثباتُهم، حتى غدت دماؤهم جوازَ سفرٍ إلى دارِ الكرامة.

المشهدُ المأساوي في الدنيا.. هو في حقيقةِ الآخرة مشهدٌ يُحسَدون عليه!

في زمنٍ كَثُرَ فيه الظُلم، وبُنيت فيه الأسوارُ بين الأخ وأخيه، بقيت غزّة وحدها على الثّغر، شوكةً في حلق العدو، وسدًّا أمام الطغيان.

أُغلقت عليها المعابر، وقطعت عنها الكهرباءُ والماءُ والدواء.. ثم قيل: إنّها "مُذنبة"!

لكنَّ اللهَ لا يَظلمُ أحدًا، وإن أنكرها الخَلق، فربُّ الخلقِ يعلمُ مَن صَبَر، ومَن جادَ بنفسه، ومَن باعَ الدنيا ليشتري الآخرة.

تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾

ما بين رُكام البيوت، وجثثِ الأطفال، والدماء الجافّة في الممرّات.. خرجت الأرواحُ إلى ربّها، مُحلّقةً نحوَ دارٍ لا خوفَ فيها ولا قهر.

تُفتح لهم أبوابُ السماء، ويُقال: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَـٰمٍ ءَامِنِينَ﴾

فهؤلاء.. ما خانوا، ولا خَذلوا، ولا سَكتوا على الضّيم، ولا ارتهنوا للأعداء.

صَدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، فاستحقّوا أن يكونوا مع النبيين، والصدّيقين، والشهداء، والصالحين.

أهلُ غزّة سبقونا إلى الجِنّة، وسبقونا إلى مقامِ الشهداء.

ونحن.. ما زلنا نُحلّل، ونتابع، وننتظرُ المعونةَ من قيعانِ الخذلان!

 

أما أولئك الذين خذلوا غزة فليسوا بعيدين عن سؤالِ الحقّ يوم الحساب.

﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤولُونَ﴾

عن ماذا يُسألون؟

عن صمتهم حين وجب الكلام، وعن خذلانهم حين احتاجتهم الأمّة، وعن سكوتهم عن الحقّ، بل وانحيازهم للباطل.

سيسألهم ربُّهم عن مؤتمرات الخيانة، وبيانات التواطؤ، وعن تسليح الجيوش لا لتحرير الأقصى، بل لقمع الشعوب، وضرب اليمن، والتآمر على كلّ حرٍّ قال: "لا" للمهانة!

سيُسألون عن حروبهم الإعلاميّة ضدّ المقاومة، وعن شيطنتهم للمجاهدين، وتحالفهم مع القتَلة، وتجميلهم وجه الاحتلال!

فليتأهّبوا.. يومٌ لا كذبَ فيه، ولا نفاق، ولا بيانات دبلوماسيّة تُنقذهم من مقامِ العدل.

يومٌ تُعرَض فيه الصحائف، وتُكشَف فيه السّرائر.

وَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ

حين يُؤتى بالمتكبّرين، المتآمرين، العابثين بدماءِ الأبرياء.. يُطرَحون في الجحيم كما تُرمى القمامة!

﴿وَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾

ليسوا وحدهم، بل معهم جنودُ إبليس.. كلُّ مَن خدمَ الباطلَ بقلبه، أو مالِه، أو بيانِه، أو صمتِه.

"كُبكبوا فيها".. لفظةٌ تهزُّ القلب، وتُرينا مشهدَ المهانة.

أولئك الذين كبّروا للصهاينة، وصفّقوا للاعتراف بهم، وقايضوا دماء غزّة بالبقاء على كراسيهم… سيكون لهم مقامٌ مع الغاوين.

غزّة.. لا تموت، بل تسبق

تسبقُ إلى مقامِ الكرامة، وتسبقُ إلى لواءِ الحمد، وتسبقُ إلى شفاعةِ النبيّ ﷺ.

غزّة -وحدَها- لم تفرّ، ولم تساوم، ولم تقبلِ العار.

إنّها الأرضُ التي تُزهِرُ بالدّم، وتُثمِرُ بالشهداء، وتغرسُ فينا معنى:

أن نعيشَ أحرارًا.. أو نموتَ واقفين.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة