نصوص الضوء

 

زهير بردى| العراق

 

وحده يُعانقُ خضرةَ الأرضِ وعينك في شمسِ الموت

وحدها تذوقُ بهجةَ الغيمِ والكلام في رحلة الأساطيرِ ذهب

وأنت مثل رتسوس تستظلُّ بأبهة سومر

والسماء تحتك ببرق أنليل تضيء

ويدك على الدوامِ فوقَ الماءِ تكتب

قطراتُ المطرِ في رملِ الكائناتِ

تسيلُّ من مساماتِ جلدكَ وباحة وهجك الثريا

وكأنَّكَ صندوقٌ مختومٌ بجوهرِ الشّعر

ترقدُّ في نعشٍ محاطٍ بالبلابلِ والسوسنِ والحريرِ

والثلجُّ والنارُ ونذرُ الفراتينِ ومردي كلكامش وقلب أنكيدو

في عظمة تاريخ شط العرب انسللت من قشرةِ الخصب

نعشكُ يشبهُ تاريخَ كتابةٍ لا نوافذَ تفضي إليه

لا عرافات تشربُ نخبَ بخته

منهمكٌ بالوصولِ إلى سباتِ شتاءٍ قديمٍ

في عتمته المليئةِ بالأقداحِ

جسدٌّ يتمددٌّ ويتباهَى بالمارِة على الطرقاتِ

من كلِّ حينٍ إليه يهتفون ويبتهلون وينعون الحياة

في يدك اليمنى فراشاتٍ بإيقاعٍ موسيقي

تملأ البرية بالجمالِ وفي اليسرى وردة

تهتفُ بمفاتن الكلام وطقوس الرغباتِ

في عتمة المزغل أكيد رفيف شمعة

تضيءُ الطُّرُقاتَ للذين يمرون إلى الشمسِ

ويقصدونَ إليك

تلك الأزهارُ المبتسمةُ لنومكِ الأبدي

ليستْ حزينةً ولكنَّها تنوحُ في صمتٍ

وتخبرنا أنّك ما زلت حياً والتراب يصعد من الأرض

وبرعشة سلالات يحضنك ويجعل رأسك باتجاه البحر

وقلبك أيضاً يركض إلى برج الحب

الموت أيضاً لا ينسى أن يأخذ إليك المرأة

والمنضدةُ الحلوةُ وسطَ ضجةِ رزمةِ حروفٍ

قصائدُك الحمراء وعاداتك اليومية باحتفالِك الجميل

وأنت تلوحُ بالمنديلِ لمارة تَرْقُبُهم في طريقِ المقبرةِ

يتقدمهم مردوخ وأنت تضيءُ لهم

من تجاعيدِ يديك وكتاباتك الذهب

***

 

لم أعد أنام قبل الليل. سعيداً أستمتع بعريي مع امرأة. لا تعرف من إيقاعات الطبيعة. سوى أن تهز شجرة. فيسقط الكون في مذود حطب. تستمع أيضاً مثل جنية لا تراني تدهم برودتها على الرغم من أنها تغور في النار. يستعر من جحيم في جسدها الأفعى. الأشعة التي تحجبها السحابة. وأنا أنحدر بسرعة. قبل أن تطأ أرضاً تبيح لي أن أصحب. رغبتي الفائضة من جمرات حواسي. حاسرة  الرأس تعدو باردة في السراويل طيات الأرض. لم أعد أنام وأن أتلقى الشمس.. مثل طفل الجمر. ينام في غفلة الثلج في جانبه الأيمن. ويلوك برد امرأة مثل قطعة لبان جاف. تخرج من عيون الماء كقطعة همبرغر..

تسخنُ فوقَ طاولةِ المطبخِ بسوادِ الباذنجانِ

***

 

أتجردُّ من أوراقِي الخُضر. بغيرِ أصابع من تجاعيد تمثالٍ مكسورٍ

أثقبُ قبضةَ الحبِّ مشتبكاً ومزهواً بشفتي جنية راودت الظلام ذات ليلة متجردة بالعري تجلس في مصطبة إله أعور.. ما ستريني وأنا أنفخ في الشمع قميص امرأة شفاف أراه في مكسرات كرستال وبمجرد أن أشعر بالإعياء، أهيئ في اللمسة السابعة من زيتي

 فكرةٌ واضحةٌ لكسرةِ خبزٍ

تركَها الرُّهبان في دورقٍ

للجدرانِ قربَ مملكة أور

***

 

في ساعةٍ خرساءَ وعلى مساحةٍ ليلٍ

ما زلتُ أستحم في زيتِ حسرتِي

أَنَا  النائمُ فِيْ  ممراتِ الثلوجِ الزرق

يوخزنِي أنْ أكونَ في متناولِ مأوى الرُّوحِ

ثمّةَ ناسٌ مِنْ أمس سيأتونَ معِي

ويتمُّ العثورَ عليهم حتماً

في بهاءِ الماضي المثقوبِ

ثمةَ ظلامٍ كنتُ أسمعُه

مثلَ خمرةِ الروحِ تسيلُّ مِنْ جسـدِي.

***

 

ثمّةَ عبورٌ. يمدُّ يدَهُ إليك. على حينِ حيرة. وأنت تجلسُ أمام الليل

تطهّرُ لذتّك. بأنفاسِ رغبتِك، قبالةَ مرآةٍ تجلسُ. فراغٌ من الفضاءاتِ يكلّمُكَ. تطفئُ عينيكَ لحظةً. مذاقُكَ يسيلُ من خُرسِكَ

ثمّةَ امرأة. تتدحرجُ أليك

***

 

أنظرُ من ليل أوروك. إلى متحفِ الماء. يزروني لماسو

يدخّنُ الحلويات. ويحكُّ شهوتَهُ بتمثالِ زيوس

يذوقُ نعشَ الضوء. ويرتّلُ (موران اتراحم اعلين)

في  أصابعه الكثّة بلعابٍ أبيض، قطعةُ ثلجٍ في غليونِ أبسو

وبيضةٌ حمراءُ في عيني مردوخ

وصفُّ عناكب في جرنِ عمادِ نرام سين

وامرأةٌ زنجيّةُ الرغبةِ في سريرِه التسترون

تشنُّ الحبَّ بهوادةِ عكّاز

***

 

من بابِ الطوبِ. إلى بابِ المعبد. انتظرتُكِ

لم يكنْ معي إلهٌ. نلعبُ النردَ في صينيّةِ الشاي

كنتُ معي. أهذي بكلامٍ غامضٍ. أصعدُ بأنفاسي إليك

إلى  نشّابي بفخاخِك القش. تهبطين، من بابِ ذكورتي

أصعدُ إليكِ. كان هذا. قبلَ أنْ أولدَ

أو تذكرين؟ سأنزلُ إليك

***

 

أبانا الذي في ساعاتِ الطين. يخضرُّ نبتُكَ في الهواء

أجلبْ عيناً تسيلُ حليباً، تبصرُ خرافةً لعوب

تجعلني أكثر تعاسةً منّي. أغسلْ براءةَ بصري

بهذيانِ آلهةٍ. وناولني قربانَ الماء، لأدخلَ بسيطاً

حفلةَ عرسِ لا أحد. لم يولدْ بعد

***

 

هبيني عدداً هائلاً من الرفاهيّة، أيّتها السيّدة الرثّة

أعطيكِ شارلي شابلن. لتضحكي قليلاً

وأعطني تأشيرةَ مقبرةٍ، سأعطيكِ لحيةَ دودٍ نحيل

يمشي هشّاً وحافياً، يسخرُ من المؤخّراتِ النحيفة

وأعطني صفيراً مالحاً. وشتيمةَ حبٍّ

ليسَ لديهما فرعٌ آخر

***

 

حدثَ خللٌ في حربٍ ما، ما كنتُ فيها، سأمضي كمجنون

يلفُّ حشداً من آلهة. في وجبةِ سندويش سريعة، وبينَ طيّات دشداشتِه المثقوبة، يقذفُ بفضلاتِ لسانِه، يسدُّ فمَهُ بدخانِ سيكارته

يمضغُ لعابَهُ مع البقِّ والعناكبِ والحرمس، لا خللَ في المشهد

المجنونُ ينقشُ على الجدران، بلعابِه  الأبيض. ونحنُ بقيافةِ إلى الوراءِ درْ، نتقدّم

***

 

حجرٌ يتدحرجُ من أقصى منفاي محني الظهر والخزاف يفقدُّ النطقَ..

يجمعُ شيخوختَهُ في نشيدِ ابنه الهرمِ الليل جداً في أضرحة المعبد..

إيماءات نشيدٍ يطلعُ من ممرِ حيطانٍ تسقطُ فيجمعُها الظلامُ خلسةٍ للتدفئةِ والتسليةِ بأعضاء كلام تسيرُ في يومياته، وسطَ ضوءٍ يجلسُ أمام مذبحٍ ويتلو سبعَ مراتٍ علناً أخّره النائب عنه من ثقب قصاصاتِ ورقٍ تمشي متأخرة إلى الكلامِ

***

 

غرفةٌ بضجيحٍ ناعمٍ. ترسمُه يدٌ كأنَّها قمحٌ في منخلِ تنورِ الفجرِ. قبل أن يمدَّ النهارَ عصاهُ الطويلةِ ويعبثُ برمادِ الإصغاءِ الثّملِ لصمتِ المصعدِ الكهربائيِّ يرجُّ الليلُ في تفكّكِ وهمٍ يستيقظُ أكثر غموضاً من موسيقى نوتي يمشي فوق الماء. النومُ يصيحُ عتيقاً وأنت وأنا ونحن. نسمعُ رغبات الريح أكثر أناقةً من فرشاة رسّامٍ أتعبه الموديل فنام وهو يحلق لحية الساعة العاطلة. وينير ستارة الزنبق في جنائن فندق شناشي.

تعليق عبر الفيس بوك